رفضت الحكومة المصرية مشروعًا صهيونيًا بتوطين اليهود فى سيناء، ومدهم بمياه النيل عبر قناة السويس، كان ذلك فى عام 1903، وبعد زيارة قام بها«هرتزل»، رئيس منظمة الصهيونية العالمية، إلى مصر فى العام نفسه، للتقدم إلى الحكومة بهذا المشروع، حسبما يؤكد الكاتب الصحفى كامل زهيرى فى كتابه «النيل فى خطر» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»، مشيرًا إلى أن «هرتزل» وصل إلى القاهرة يوم 23 مارس عام 1903، لمتابعة أعمال بعثة سبقته لمعاينة أرض سيناء على الطبيعة، وكتابة تقرير علمى عنها، وأنه قابل اللورد كرومر، المندوب السامى البريطانى فى مصر، وبطرس غالى باشا، ناظر الحقانية، وعرض عليهما المشروع، مستندًا على تقرير البعثة العملية، لكن الحكومة المصرية رفضته فى مايو 1903.
وينقل «زهيرى» عن «هرتزل» فى مذكراته أنه فى شهر إبريل، أى قبل رفض الحكومة المصرية بنحو شهر، سافر إلى لندن لمقابلة وزير الخارجية البريطانى «تشمبرلين»، وكتب عن هذا المقابلة نصًا: «قال لى تشمبرلين العظيم، لقد عثرت لكم على بلاد مناسبة أثناء سفرى، وهى أوغندا، وهى حارة على السواحل، ولكن الطقس ممتاز فى الداخل حتى بالنسبة للأوروبيين، وتستطيعون أن تزرعوا فيها القطن والسكر، وقلت لنفسى وأنا هناك إن هذه البلاد تصلح للدكتور هرتزل، ولكنك طبعًا تريد الذهاب إلى فلسطين أو ما يجاورها، وأجاب هرتزل: يجب أن تكون قاعدتنا فى فلسطين، ثم نستطيع بعد ذلك أن نستوطن فى أوغندا، ذلك أن هناك عددًا كبيرًا جدًا من اليهود يودون الهجرة، ولكن يجب أولًا أن نضع أساسًا قوميًا، ولهذا فكرنا فى العريش لوضع سياسة جذابة، ولكنهم لا يفهمون ذلك فى مصر، ولم أستطع أن أوضح لهم الأمور كما أفعل هنا فى لندن، ويجب أن يكون واضحًا أننا لن نضع أنفسنا تحت حكم مصرى، ولكننا نريد حكمًا بريطانيًا».
فشل «هرتزل» فى تمرير مشروعه بسيناء، لكن بعد سبعة أشهر، وحسب تأكيد «زهيرى»، كان هناك مشروع بديل فى «كوم أمبو» بأسوان، تحدثت عنه صحيفة «الأهرام» يوم 19 ديسمبر «مثل هذا اليوم» عام 1903، وقالت عنه: «يعرف قراؤنا خبر ابتياع الخواجات سوارس، والسير إرنست كاسل لسهول كوم أمبو، بحرى أسوان، من الحكومة المصرية على شروط بيناها فى ذلك الحين، وخلاصتها أن حضراتكم يأخذون من الحكومة المصرية 30 ألف فدان فيصلحونها، ويدفعون للحكومة ثمن الفدان الواحد 20 قرشًا، أى حوالى 6 آلاف جنيه من ثمن الأرض كلها، فإذا نجحوا فى إصلاح 30 ألف فدان كان لهم فى السنوات العشر الآتية أخذ السهل كله، ومساحته نحو مائة ألف فدان بالثمن ذاته، وتعهدت لهم الحكومة بمنحهم رخص وابورات للرى تروى الأرض كلها، وقد أعطتهم أول رخصة لرى 10 آلاف فدان، وسنعطيهم فى العام المقبل الرخص لرى باقى الثلاثين ألف فدان على شرط أن يدفعوا 10 قروش من رى كل فدان فى السنة الأولى، و20 فى السنة الثانية، و25 فى السنة الثالثة، و30 قرشًا من ابتداء السنة الرابعة، وتعفى الأرض فى السنوات الأولى من كل ضريبة، ثم تضرب عليها ضريبة خفيفة حتى 15 سنة تمر على عمرها».
وتضيف «الأهرام»: «معلوم أن الخواجات سوارس والسير كاسل أصحاب الأرض قد عينوا المهندس الشهير إسماعيل بك سرى لوضع الرسوم براتب 1200 جنيه فى السنة، وطلبوا منه أن يتجرد لخدمة هذه الأرض، فيعطونه 3 آلاف جنيه فى السنة فأبى، وقد علمنا من الثقاة الخبيرين أن هذا السهل سيكون بعد إصلاحه مستعمرة صهيونية، إذ يؤتى لزراعته وإصلاحه بالفلاحين الإسرائيليين «يقصد اليهود» المعسرين للشروع بالأعمال الابتدائية».
يؤكد «زهيرى» أن «سوارس» و«كاسل» هما من كبار مؤسسى البنك الأهلى المصرى عام 1898، ولعب «سوارس» دورًا كبيرًا فى الاقتصاد المصرى، حيث اشترك فى البنك العقارى المصرى الذى تأسس فى أول يناير 1880، واشترك فيه من أثرياء اليهود «سوارس» و«رولو» و«قطاوى»، وتضخم آل سوارس فى أعمال البنوك وشراء الأراضى الزراعية والعقارية، فأسس جال سوارس البنك التجارى المصرى، وتأسس بنك «سوارس» عام 1936
وعن مصير مشروع «كوم أمبو» يؤكد «زهيرى» أن الذى تولى إدارته فى البداية إحدى الشخصيات الصهيونية المهمة فى تاريخ النشاط الصهيونى فى مصر، واسمه «بن عاداه»، ثم تولاه بعده طلعت حرب وكيل الإدارة القانونية فى الدائرة السنية، واحتفلت جريدة «اللواء» عام 1905 بتولى «حرب» هذا المنصب فى موجة المطالبة بتمصير المناصب، ويؤكد «زهيرى» أنه حدث تغير فى اتجاه المشروع.