جلس ياسر عرفات مع أبو يوسف النجار على شاطئ مدينة الكويت يفكران فى حل لمشكلة إطلاق حركة فتح الكفاح المسلح ضد إسرائيل، كان الاتفاق على أن يكون ذلك فى أوائل سبتمبر 1964، لكن تم التأجيل لأنهم كانوا يحتاجون نحو 500 قطعة سلاح و50 ألف دينار كويتى «كانت الكويت منشأ الخلية الأولى لحركة فتح»، الأمر الذى لم يكن متوفرا فى ذلك التاريخ.
فى لقاء «عرفات» و«النجار» تطلع الأول إلى الثانى قائلا: «عندما قابلت هوارى بومدين وزير الدفاع الجزائرى «كان بن بيلا رئيسا للجزائر» وطلبت منه المساعدة قال لى: «اذهب وأطلق رصاصة ثم عد إلى»، واقترح عرفات للنجار: ما رأيك أن تقوم أنت بعملية عسكرية، فإذا نجحت تتبناها «فتح»، وإذا فشلت يكون الذين قاموا بها مجموعة شبان متحمسين ليس أكثر، ونتابع نحن الاستعداد للانطلاقة «راجع: صقر أبوفخر - حركة» فتح «التاريخ الفلسطينى الجديد - المركز الفلسطينى لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية - مسارات».
يؤكد «أبوفخر»، أن خليل الوزير «أبوجهاد» جاء من الجزائر، واجتمع المجلس العسكرى للحركة، ووافق على فكرة «أبوعمار»، ويضيف: «هكذا بدأت المسيرة نحو لحظة انطلاقة الرصاصة الأولى، التى انطلقت بالفعل فى 1 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1965، ويكشف صلاح خلف «أبوإياد» فى كتابه «فلسطينى بلا هوية»، طبيعة المناقشات التى دارت بين قادة فتح لإقرار نهج الكفاح المسلح، مشيرا إلى أن عقد اجتماع فى الكويت بداية خريف عام 1964 لمناقشة المسألة، وظهر فيه فريقين، الأول مايسمى بـ«المتعقلين» وهم الذين وقفوا ضد «الكفاح المسلح»، وراحوا يؤكدون أن شن حرب لعصابات لا يزال أمرا مبكرا للغاية والأولى الانتظار إلى أن تصبح فتح حركة جماهيرية، أما فريق «المغامرين» فيقول عنه «أبوإياد»: «كنا بضعة أشخاص، ياسر عرفات وأنا وأبوجهاد ومحمد النجار وأبومازن وفاروق القدومى وخالد الحسن وسليم الزعنون ومحمد غنيم وسواهم ندافع عن وجهة النظر المقابلة تماما، قلنا بأن الوضع ناضج بالنسبة للكفاح المسلح».
يؤكد «أبوإياد» أن اجتماع الكويت لم يحسم المسألة، مضيفا: «استحققنا بسبب أطروحة الكفاح المسلح وصف المغامرين»، ودفعنا المأزق إلى عقد اجتماع موسع فى دمشق شهر أكتوبر 1964 لكوادر فتح القيادية فى البلدان المحاذية لإسرائيل، وخاصة لأطر الضفة الغربية وغزة، أى تحديدا الأراضى التى ستنطلق منها أولى غارات الفدائيين، فانقسم الاجتماع وفقا للشرخ نفسه الذى حدث فى الكويت، ولكن نقاشات طويلة أفضت هذه المرة إلى موقف إجماعى على مشروع «المغامرين»، وبعد ذلك بأيام جرى توقيت ميعاد أول عملية عسكرية ضد إسرائيل يوم 31 ديسمبر».
يذكر «أبوإياد»، أنه فى هذا اليوم عبرت مجموعات سرا لتقوم بغارات على عدة مواضع ضد أهداف عسكرية واقتصادية، ومنشآت مرصودة لتحويل مياه الأردن إلى الدولة اليهودية، وتم تحضير العملية بصورة دقيقة وعلى مدى أكثر من شهرين، وأعطينا الفدائيين أمرا بين جملة ما أعطيناهم من أوامر بألا يحدثوا خسائر فى أرواح السكان المدنيين الإسرائيليين، فقد كانت تلك إرادتنا فى البدء، يؤكد «أبوإياد» تمكن فدائيونا من إنجاز مهماتهم وقاموا بحوالى عشر عمليات بنجاح، ولم يوقعوا خسائر هامة بالعدو، فذلك لم يكن على أية حال هدفنا الأساسى، كنا نسعى إلى إخراج عمل صارخ مذهل يصعق الإسرائيليين، كنا نريد أن نبلغهم وندلل على وجودنا كفلسطينيين، يسعون إلى تدعيم إرادة الصراع بصورة مستقلة استقلالا ذاتيا عن الأنظمة العربية، التى قذفنا فى وجهها هذا التحدى».
تم تخليد هذه الانطلاقة فى البيان العسكرى الأول وصدر فى نفس اليوم «1 يناير - 1965» عن «قوات العاصفة - حركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح»، ونصه: «اتكالا منا على الله، وإيمانا بحق شعبنا فى الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيمانا منا بواجب الجهاد المقدس، وإيمانا منا بموقف العربى الثائر من المحيط إلى الخليج، وإيمانا منا بمؤازرة أحرار وشرفاء العالم، لذلك فقد تحركت أجنحة من القوات الضاربة فى ليلة الجمعة31 /12 / 1964، وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة، وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا، لأن قواتنا سترد على الاعتداءات ممثلة، وسنعتبر هذه الإجراءات من جرائم الحرب، كما أننا نحذر جميع الدول من التدخل لصالح العدو بأى شكل كان، لأن قواتنا سترد على هذا العمل بتعريض مصالح الدول للدمار أينما كانت».
أذيع البيان، فدشن عصرا جديدا سيعم المنطقة العربية بأسرها، هو عصر الكفاح المسلح الفلسطينى، بتعبير «صقر أبوفخر».