ذهب محمد شريف باشا، رئيس مجلس النظار «الوزراء»، بصحبة باقى «النظار» إلى مجلس النواب عصر يوم 2 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1882، حسب مذكرات أحمد عرابى، زعيم الثورة العرابية، الصادرة عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» تحقيق: الدكتور عبدالمنعم الجميعى.
خطب «شريف باشا»، وبوصف عرابى «أثر الخطاب فى أذهان النواب»، ودار حول «اللائحة الأساسية» التى وضعها وهى «لائحة مشتملة على أحكام حرة، وحدود مطلقة يكون بمقتضاها للنواب حق النظر فى القوانين والمصروفات العمومية، وألا ينفذ قانون ولا يعتبر نظام ما لم يقرر فى مجلسهم مع تخويلهم الحرية التامة فى إبداء آرائهم وقراراتهم»، وعرفت هذه اللائحة على أنها «دستور الثورة العرابية» وفقا للجميعى، وجاءت فى أعقاب تشكل مجلس للنواب تم بالانتخاب، وللعلم فإن هذه الانتخابات لم يكن التصويت فيها للجميع، وإنما حسب منشور وزارة الداخلية الصادر يوم 4 أكتوبر 1881 فإن «المشايخ هم نائبو الأهالى، ولهم دون غيرهم أن ينتخبوا من يعتمدون عليه ويثقون به ليكون نائبا عنهم بالمجلس المذكور»، وأجريت الانتخابات على هذه القاعدة وافتتحت أعمال «النواب» يوم «26 ديسمبر 1881»، وأصبح محمد سلطان باشا رئيسه.
هل كان انتخاب مجلس «شورى النواب»، واللائحة الأساسية التى عرضها عليه «شريف باشا» يوم 2 يناير، تعبيرا عن رغبة للخديو توفيق بتأسيس حياة ديمقراطية، أم أنه لجأ إلى ذلك مجبرا على أثر نضال «عرابى» ورفاقه؟
يطرح أحمد شفيق باشا هذه القضية فى الجزء الأول من مذكراته، عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، وأهمية شهادته تأتى من أنه كان «أحد الموظفين القريبين من الخديو توفيق»، ثم أصبح «رئيسا لديوان الخديو عباس حلمى الثانى»، يقول شفيق: «قد يعن التساؤل: هل كان توفيق راغبا فى إيجاد هذا المجلس؟، فأجيب بالنفى، لأنه فى بدء حكمه رفض رغبة شريف باشا فى إيجاد مجلس نواب، وأعلم أن الأسباب الدافعة إلى هذا الرفض هى: أولا: لعدم استعداد المصريين لهذا الأمر الهام، لأن المجلس الذى تشكل لأول مرة فى سنة 1866، وفى المرة الثانية سنة 1878 لم يكن إلا صوريا لتنفيذ أوامر إسماعيل «الخديو»، فضلا عن أن الانتقال من استبداد إلى نظام ديمقراطى يعتبر طفرة غير مأمونة العاقبة».
يضيف «شفيق»: ثانيا: أن الحكومة كانت إدارتها فوضى وماليتها فى شبه إفلاس، وكان من هم سموه إصلاحها، وقد عالجت الحكومة هذين الأمرين، وكانت النتيجة حسنة حتى آخر سنة 1881، ثالثا: أن الحاشية كانت على رأى سموه «توفيق» مشجعة له فى هذه الخطة، رابعا: أنه لم يقبل طلب عرابى تشكيل مجلس شورى النواب إلا مرغما وخاضعا للأمر الواقع».
نستخلص من «شفيق» أن الفضل يعود لعرابى ورفاقه فى مقاومة الاستبداد بإجبار توفيق على تشكيل «شورى النواب»، ووضع «اللائحة الأساسية» أو «الدستور» بتعريف «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «الزعيم الثائر أحمد عرابى» عن «دار المعارف - القاهرة»، موضحا: «أحال المجلس مشروع الدستور على «اللجنة الدستورية»، وهى لجنة ألفها خصيصا للنظر فيه، وكانت تسمى «لجنة اللائحة»، وبحثت مواد الدستور، وأقرت معظمها مع تعديلات يسيرة فى بعضها لا تغير من جوهره شيئا، وكاد الأمر يتم بالاتفاق بين الحكومة والمجلس على نصوص الدستور، لولا الأزمة السياسية التى أدى إليها تدخل فرنسا وإنجلترا فى وضع الدستور وانتهت بسقوط وزارة شريف باشا»، ويذكر شفيق باشا هذه الأزمة، مشيرا إلى أن «لجنة اللائحة الأساسية» وافقت على أغلب المواد، إلا متعلقا منها بميزانية الحكومة، فإنها رأت أن للمجلس الحق فى مراجعتها، غير أن شريف باشا رفض والسبب «خشية تطرق النواب والعبث بالمعاهدات التى بين مصر والدول فى شأن الديون وقانون التصفية».
يضيف شفيق باشا: «فى أول فبراير سنة 1882 أعاد مجلس النظار اللائحة الأساسية بإشارة مؤداها أن معتمدى دولتى فرنسا وإنجلترا يريان أن لا حق لمجلس النواب فى تقرير الميزانية، ولكنهما مع ذلك يقبلان المخابرة مع دولتيهما إذا تم الاتفاق بين النواب والحكومة على مواد اللائحة كلها، وتترك المادة المتعلقة بالميزانية، وأن يبدى النواب رأيهم النهائى بخصوصها لتجعله الحكومة أساسا للمخابرة مع الدولتين، فأجاب المجلس فى 2 فبراير بأن لا حق لمعتمدى الدولتين فى معارضة ما هو من شؤون مصر الداخلية، وأنه يصر على نظر الميزانية كقراره السابق، وأعاد اللائحة بعد موافقته على تعديلات الحكومة الأخيرة».
وعلى أثر ذلك استقال شريف باشا يوم 3 فبراير 1882، وشكلت وزارة أخرى برئاسة محمود سامى البارودى.