يتسابق المجتمع الدولى للإعلان مساء اليوم عن وقف إطلاق النار وإعلان الهدنة فى سوريا تمهيدا لاستئناف حوار "سورى سورى"، يهدف لحل سياسى للأزمة، وفى ذلك التوقيت استبقت الولايات المتحدة كل الجهود لتلوح للمرة الأولى بتقسيم سوريا فى حال فشلت تلك المفاوضات.
تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى حول تقسيم سوريا تأتى فى وقت حرج للغاية حيث يدرك الجميع أن فرص نجاح وقف إطلاق النار ضعيفة، وهو ما يكشف بوضوح أن حديث الإدارة الأمريكية عن وضع خطة بديلة "ب" لتسوية الأزمة السورية قبل أن يغادر الرئيس باراك أوباما منصبه فى أقل من عام ليست عبثا ولا حديثا عابرا، بل لابد من أخذها بمحمل الجد، فإذا كان أوباما تقاعس فى حل الأزمة السورية ومواجهة تنظيم داعش منذ بدايتها فهو الأن يقف فى مفترق طرق بعد دخول روسيا على خط الأزمة من خلال ضرباتها التى بدأت فى سبتمبر الماضى مما أحرج امريكا وحلفائها، واستطاعت روسيا بتدخلها أن تحدث توازن فى ميزان القوى بين المعارضة والنظام السورى، وهنا شعرت الإدارة الأمريكية بالخطر، مما استدعى أن تبدأ بالفعل دراسة تقسيم سوريا بين الفرق المتنازعة فى محاولة لحل الأزمة من وجهة النظر الأمريكية.
وليس غريبا أن تأتى تصريحات كيرى عقب أقل من شهر على حديث إسرائيلى حول نفس الأمر حيث قال وزير الدفاع موشيه يعلون "يجب أن ندرك أننا سنشهد قيام جيوب مثل علويستان وكردستان السورية ودروزستان السورية"، أما رام بن باراك، مدير عام وزارة المخابرات الإسرائيلية فقال أن "التقسيم هو الحل الممكن الوحيد، وفى نهاية الأمر ستتحول سوريا إلى أقاليم تحت سيطرة أى من يكون هناك، العلويون فى المناطق التى يوجدون فيها، والسنة فى الأماكن التى يوجدون فيها".
هكذا تترسخ فكرة الأقاليم فى سوريا والتى يتم الآن دراسة على أى أساس ستقوم وما اذا كانت ستحكم بنظام فيدرالى أم دويلات مستقلة، حيث أصبح الأمر على أرض الواقع يحرض على هذا السيناريو بعد أن سيطرت الوحدات الكردية على مساحات واسعة من أرياف الحسكة والرقة وحلب تتجاوز 15% من مساحة سوريا، فضلا عن توسع قوات النظام السورى على الأرض، بالإضافة الى المناطق التى مازالت تحت سيطرة الجماعات السنية.
وإذا كان موعد تلميحات واشنطن فى ظل المعطيات السابقة حول احتمالات كبرى بفشل المفاوضات التى لم تنطلق بعد وسيطرة جهات متعددة على الأراضى تمهد الى أن شيئا ما يحاك فى الخفاء، ولكن الأمر الغريب هو مرور كل هذا على مسامع العرب دون أن يحركوا ساكنا وكأن الحديث لا يمس دولة عربية كبرى لها مكانتها، بل يعد الصمت العربى على تصريحات جون كيرى موافقة ضمنية على الطرح الأمريكى.
فلم يدين التصريحات الأمريكية سوى دمشق وروسيا وكأن سوريا لم تعد تهم العرب، وقالت الحكومة السورية فى بيان لها " أن هذه التصريحات التى تجافى الواقع وتأتى فى سياق التضليل لإخفاء مسئولية أمريكا فيما تتعرض له سوريا من جرائم المجموعات الارهابية".
لكن السؤال الأن كيف سيدرك العرب الطامة التى ستلحق بهم فى حال تفكيك سوريا الى دويلات والمصائب التى ستحل بالمنطقة جراء ما يخطط فى الولايات المتحدة، وهم منخرطون فى الخلافات الداخلية من ناحية وفى الخلافات الثنائية من ناحية آخرى فى الخلافات الثنائية التى لم يعد يمر يوما إلا وتزداد الهوة بين الأخوة العرب، فبالنظرة السريعة على الخريطة العربية نجد ليبيا تنتظر مصير مجهول فى ظل تعليق تنفيذ اتفاق السلام بسبب العراقيل أمام تشكيل حكومة الوفاق الوطنى وخطر الإرهاب الذى أصبح يهدد دول جوارها وخاصة تونس والجزائر ومصر، أما لبنان فيعانى أزمة مع دول الخليج بسبب تصريحات حزب الله المتهورة ضد المملكة العربية السعودية تتصاعد كل يوم.
وفى وسط هذا كله تغيب الجامعة العربية بيت العرب عن الحوار الأمريكى حول تقسيم سوريا المحتمل وسط التشاؤم الدولى عن استمرار اتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار، ولن يفيق العرب حتى يجد سوريا تلقى نفس مصير السودان الذى انقسم لدولتان دون تحريك ساكنا.