أرسل عمر مكرم حفيده إلى محمد على باشا والى مصر برسالة تهنئة بالانتصارات، التى حققها الباشا ضد الوهابيين فى الجزيرة العربية، «فاهتز الباشا لها وطرب»، حسب وصف محمد فريد أبو حديد فى دراسته «عمر مكرم» المنشورة ضمن أعماله الكاملة، الصادرة عن «دار الكتب والوثائق القومية– القاهرة».
كان «مكرم» منفيا بأمر محمد على يوم 13 أغسطس عام 1809 بالرغم من أنه هو الذى قاد ثورة المصريين التى أدت إلى اعتلاء محمد على للحكم فى 1805، وحسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على» عن «دار المعارف–القاهرة»: «عاش عمر مكرم فى دمياط تحت المراقبة والحراس ملازمون له إلى أن تشفع له قاضى قضاة مصر «صديق أفندى» لدى محمد على باشا، فأذن له بالانتقال إلى طنطا، وقضى فى دمياط نحو أربع سنوات، وبقى فى طنطا إلى ديسمبر 1818».
من طنطا جاء «الحفيد» برسالة «الجد» إلى «الباشا» ووفقا لأبوحديد، فإن الباشا سأل الحفيد عن جده وعن أحواله «وأعاد عليه المسألة لعل له رغبة يحققها له، لكن الحفيد أجاب بأنه يحمل رسالته جده مهنئا، ولم يحمله طلبا ولا رجاء، وانصرف الحفيد لكن الباشا أقدم على فعل كى يطمئن إلى أن صديقه القديم لا يريد شيئا بالفعل، ويوضح «أبو الحديد» طبيعة هذا الفعل: «أرسل الباشا إليه أحد أتباعه يسأله فى خلوة عما إذا كان لجده مطلب يود تحقيقه، فأجاب الحفيد بعد تمنع وتردد أنه لا يرغب شيئا إلا أن تكون أمنية قديمة بأن يذهب إلى الحجاز ليقضى الفريضة».
ولما عرف «الباشا» بذلك، كان رد فعله وفقا للجبرتى: «كان محمد على قد بلغ قمة المجد والسلطة، وقهر الوهابيين، وذاع صيته فى الخافقين، فتذكر المنفى العظيم، الذى كان له الفضل أكبر الفضل فى إجلاسه على عرش مصر، فتلطف بقبول طلبه، وأذن له بالذهاب إلى القاهرة، وأن يقيم بداره إلى أوان الحج، وذكر صديقه القديم بالخير، وقال لجلسائه:»أنا لم أتركه فى الغربة هذه المدة إلا خوفا من الفتنة، والآن لم يبق شىء من ذلك، فإنه أبى، وبينى وبينه مالا أنساه من المحبة والمعروف»، وزاد»الباشا» على ذلك بأن بعث إلى «مكرم» بكتاب يصفه «الرافعى» بأنه «رقيق ويحتوى أرق عبارات الاحترام والتبجيل، ويدل على مبلغ ماله عنده من المكانة الرفيعة». قال الباشا فى خطابه: «مظهر الشمائل سنيها، حميد الشئون وسميها، سلالة بيت المجد الأكرم، والدنا السيد عمر مكرم، دام شأنه، أما بعد فقد ورد الكتاب اللطيف، من الجناب الشريف، تهنئة بما أنعم الله علينا، وفرحا بمواهب تأييده لنا، فكان ذلك مزيدًا فى السرور، ومستديما لحمد الشكور، وجلبة لثناكم، وإعلانا بنبل مناكم، جزيتم حسن الثناء، مع كمال الوقار ونيل المنى، هذا وقد بلغنا نجلكم عن طلبكم الإذن فى الحج إلى البيت الحرام، وزيارة روضته عليه الصلاة والسلام، للرغبة فى ذلك، والترجى لما هنالك، وقد أذناكم فى هذا المرام، تقربًا لذى الجلال والإكرام، ورجاء لدعواتكم بتلك المشاعر العظام، فلا تدعوا الابتهال، ولا الدعاء لنا بالقال والحال، كما هو الظن فى الطاهرين، والمأمول من الأصفياء المقبولين، والواصل لكم جواب منا خطابا إلى كتخدائنا، ولكم الإجلال والاحترام، مع جزيل الثناء والسلام».
بعث «الباشا» بالخطاب إلى عمر مكرم، ووفقا للجبرتى: «أرسل إلى كتخدانة يبلغه الأمر، وأشيع خبر مقدمه فكان الناس بين مصدق ومكذب حتى وصل إلى بولاق يوم السبت 9 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1819، فكرب من هناك وتوجه إلى زيارة الإمام الشافعى، ثم ذهب إلى القلعة، وقابل الكتخدا، وكان محمد على باشا وقتئذ بالإسكندرية»، وهنأه الشعراء بقصائدهم، وأعطاهم الجوائز، واستمر ازدحام الناس أياما، ثم امتنع عن الجلوس فى المجلس العام نهارا، واعتكف بحجرته الخاصة، فلا يجتمع عنده إلا بعض من يريدهم من الأفراد، فانكف الكثير عن التردد عليه».
يؤكد الرافعى، أن محمد على لم يأمن على مركزه من نفوذ عمر مكرم، ولم يطمئن لبقائه طويلا فى القاهرة، وبالرغم من شيخوخته واعتكافه فى بيته بمصر القديمة «ساحة أثر النبى» فإنه كان مصدر قلق، وفى عام 1822 حدثت فتنة هاج فيها السكان بسبب فرض ضريبة جديدة على منازل القاهرة، وأخذ الموظفون يطوفون بالمنازل لتقدير الضريبة عليها، فوقعت مصادمات بين أهالى باب الشعرية وبعض الموظفين، ونفذت الحكومة الضريبة كما قررتها، لكن الظنون ساورت محمد على فى أن عمر مكرم يقف وراء ما حدث، فأرسل إليه رسولا فى داره يأمره بمغادرة القاهرة والإقامة فى طنطا، وكان ذلك نفيًا ثانيًا».