تتخذ جماعة الإخوان من حرب فلسطين عام 1948 محطة للحديث عن تضحياتها فيها، ومقاومتها للعصابات الصهيونية، وتقريبا لا يخلو كتاب عن تاريخ الجماعة من الحديث عن متطوعيها فى الحرب، وأن مؤسسها ومرشدها الأول حسن البنا، أبرق إلى مجلس جامعة الدول العربية يوم 9 أكتوبر 1947 يعلن استعداده لأن يبعث كدفعة أولى عشرة آلاف مجاهد من الإخوان إلى فلسطين، وأن أول كتيبة سافرت فى أكتوبر 1947 كانت بقيادة محمد فرغلى ومحمود لبيب، غير أن جريدة «مصر الفتاة» لسان حال حزب «مصر الفتاة» برئاسة أحمد حسين، فتحت النار على الجماعة فى هذه القضية واتهمتها بالتزوير والدجل، وقالت فى المقال المنشور يوم 12 يناير «مثل هذا اليوم» 1948 بعنوان: «أيها اليهود انتظروا قليلا فإن كتائب الشيخ البنا ستتأخر بعض الوقت».
«طالما أذاع الشيخ البنا عن كتائبه التى تبلغ عشرات الألوف، وأنها مزودة بالأسلحة والمعدات، وأنه اختارها من بين الملايين الذين يدينون للشيخ بالطاعة والولاء.. وبدأت مشكلة فلسطين تتخذ دورا خطيرا، فى مرحلتها الأخيرة، فسارع فى إرسال البرقيات لمفتى فلسطين والجامعة العربية، ورجال فلسطين وإلى جميع الدول والهيئات الدولية، وإلى كل من هب ودب، وأطمأن العرب أن «جيوش البنا» سترهب الصهيونيين وأنصارهم، والدول التى تؤازرهم، وصدر قرار هيئة الأمم بتقسيم فلسطين، وأصبح لا مجال للحديث، وسكت القلم وانتظرنا للسيوف أن تتكلم وأن تعمل، فتطيح بالرقاب، رقاب الأعداء الكفرة من الصهيونيين وأنصارهم، وأعلن الشيخ البنا عن كتيبته الأولى التى تبلغ عشرة آلاف، وأنه قد تم تجهيزها وإعدادها، وأنه يعمل الآن فى تجهيز كتيبتين أخريين لتلتحقا بالكتيبة الأولى، وتلحق بذلك جحافل الكتائب، ونشر الشيخ خطابا من أحد الأعضاء بالعريش يلح فى رجاء ولى الله أن يباركه ويرسله فى السرية الأولى، ونشر خمسمائة اسم زعم أنهم السرية الأولى.. ثم ماذا؟ ثم لا شىء أيها الشيخ؟، إن الأمور تتضح وتظهر على حقيقتها.. وإذا المسألة كما يعرف دائما ليست إلا دجلا وشعوذة، وضحكوا على عقول المصريين وغيرهم فيمن يأملون شيئا من الخير فى الشيخ وأعوانه».
واصلت «مصر الفتاة» فتح النار على «البنا»، قائلة: «كفى تهريجا أيها الناس، وكونوا صادقين مرة فى حياتكم كلها، وليعمل واحد منكم على تنفيذ شعاركم الذى تقولون فيه أن الموت فى سبيل الله أحلى أمانينا، فإن ميدان الشرف والجهاد مفتوح للجميع، وطريق السفر برا وبحرا وجوا، لم يغلق دون أحد من الناس الذين يريدون العمل فعلا.. وهاهو أحمد حسين يشترك بنفسه فى معارك فلسطين ويدك حصون الاستعمار ويقاتل فى سبيل الله.. وهاهى كتيبة الشهيد العظيم «مصطفى الوكيل» تسير إلى ميدان القتال، فماذا فعلت أنت أيها الشيخ؟.. وماذا فعلت جماعتك؟.. نريد أن تعمل شيئا، وأن تكف عن هذه المهازل والإدعاءات والاجتراءات، وأرسل بعضا من أتباعك فليكونوا خمسة أو ستة أو عشرة أو أكثر أو أقل، وكل الذى أخشاه أن تظل فى هذا الجو من الدجل والضحك على الذقون حتى تنتهى المعارك فترتفع الأصوات من جديد تردد: «الله أكبر ولله الحمد».
جددت «مصر الفتاة» هجومها، فى عددها يوم 19 يناير 1948، وكتب محمد الظافر مقالا بعنوان: «إلى مرشد الإخوان حنانيك.. وأرسل مائة»، وجاء فى المقال: «تذيع الصحف من آن لآخر أنباء الأعداد الضخمة لإنقاذ فلسطين الذى تقوم به جماعة الإخوان المسلمين، وتنشر فى الصحف أعداد ضخمة لعدد المتطوعين واستكمال تدريبهم، ومن زمن بعيد أذاع مدرب الجماعة أنه قد تم تجهيز عشرة آلاف إخوانى وتسليحهم، وأنهم ينتظرون الأمر بالزحف، وأن هم الجماعة منصرف إلى إعداد العشرة آلاف الثانية، ولكننا نسمع الآن، إن الكتائب لا تستطيع السفر لأنهم ينتظرون المعونة من الحكومة المصرية، ومن يدرى لو سمحت لهم الحكومة المصرية بالسفر لقالوا نريد أيضا معونة ومساعدة لعائلاتهم، وضمانا لرجوعهم سالمين لم يمسسهم سوء».
«يا فضيلة المرشد يا من صببت فى آذان مريديك طيلة خمسة عشر عاما أحاديث الجهاد والفداء وشراء الجنة، يا فضيلة المرشد الذى تمكن من إعداد عشرين ألفا لكى يموتوا فى سبيل فلسطين.. حنانيك إن أرض فلسطين لا تتسع لهذا العدد الضخم زيادة على أهلها، وإن ميادين فلسطين لأضيق من أن تتحمل الكر والفر لهؤلاء الغر الميامين، ولكنها قد تحتمل مائة، مائة فقط بأسلحتهم والسلاح فى مصر متوفر، وبنفقات سفرهم والمال لديكم حاضر تنفقونه فى كل ناحية ولاسيما فى الحفلات والمهرجانات والمظاهرات».