بعث حاكم دبى محمد بن راشد آل مكتوم رسالة للمنطقة؛ حث فيها على نبذ الكراهية ونشر السعادة والتفاؤل والاعتماد على طاقة الشباب، والتغلب على موجة الكراهية والتعصب التى تضرب نواحى الحياة فى الكثير من دول المنطقة.
وإلى نص الرسالة التى نشرتها المواقع الإلكترونية الإماراتية:
كثير من الأسئلة والتعليقات والمكالمات وملخصات الأخبار تلقيتها وقرأتها خلال الأسبوع الماضى، كلها تدور حول التغيير الحكومى الذى أجريناه مؤخرًا فى دولة الإمارات، وزراء للسعادة والتسامح والمستقبل ووزيرة للشباب بعمر الـ22 وتغييرات هيكلية فى التربية والتعليم والصحة وإدارة الموارد البشرية وغيرها،البعض تناول التغييرات بالإعجاب - وهم كثيرون - وآخرون بالاستغراب وفريق ثالث من وراء البحار قارن التغييرات ببناء أطول برج وأكبر جزيرة، وكأن التغييرات جزء من حملة دعاية تقوم بها دولة الإمارات.
ولعلى أوجه خطابى اليوم للفريقين الأخيرين.. لأشرح لهم بشكل مختصر لماذا غيّرنا؟
نحن غيّرنا لأننا تعلّمنا الكثير خلال الخمس سنوات الأخيرة، تعلمنا من أحداث المنطقة حولنا، وتعلمنا من دروس التاريخ، وتعلمنا أيضًا من جهود كثيرة بذلناها لاستشراف المستقبل.
علمتنا منطقتنا وعبر أحداث رهيبة مرت بها فى السنوات الأخيرة، بأن عدم الاستجابة لتطلعات الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف مجتمعاتنا العربية هو سباحة فى عكس التيار، وبداية النهاية للتنمية والاستقرار.
علمتنا منطقتنا بأن الحكومات التى أدارت ظهرها للشباب، وسدت الأبواب أمامهم.. إنما سدت أبواب الأمل لشعوب كاملة، نحن لا ننسى أن بداية التوترات فى المنطقة وما يسمى للأسف ربيعًا عربيًا إنما كانت لأسباب تتعلق بتوفير فرص للشباب وبيئة يستطيعون من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم.
نحن دولة شابة ونفخر بذلك، ونفخر أيضًا بشبابنا، ونستثمر فيهم، ونمكن لهم فى وطنهم، وعينا وزيرة شابة من عمرهم، وأنشأنا مجلسا خاصا لهم، ونؤمن بأنهم أسرع منا فى التعلم والتطور والمعرفة لامتلاكهم أدوات لم نمتلكها عندما كنا فى أعمارهم، ونعتقد جازمين بأنهم هم الذين سيصلون بدولتنا لمراحل جديدة من النمو والتطور .
علمتنا السنوات الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط "الجديد"، بأننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكرا وقيما وتعليما وسلوكا، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات .
نعم تعلمنا ذلك من مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين والمنكوبين، الذين رأيناهم فى آخر خمس سنوات فى هذه المنطقة، بسبب التعصب والكراهية وعدم التسامح الطائفى والفكرى والثقافى والدينى.
لا يمكن أن نسمح بالكراهية فى دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأى شكل من أشكال التمييز بين أى شخص يقيم عليها أو يكون مواطنا فيها، لذلك عينا وزيرًا للتسامح .
عندما كانت المنطقة فى أزهى عصورها متسامحة مع الآخر ومتقبلة للآخر، سادت وقادت العالم.. من بغداد لدمشق للأندلس وغيرها.. كنا منارات للعلم والمعرفة والحضارة لأننا كنا نستند إلى قيم حقيقية تحكم علاقاتنا مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولنا، حتى عندما خرج أجدادنا من الأندلس خرج معهم اليهود ليعيشوا بينهم لأنهم يعرفون تسامحنا.
نعم تعلمنا من التاريخ أهمية التسامح، ولكن جاءت الأحداث الأخيرة فى منطقتنا لتؤكد لنا أنه لا مستقبل لهذه المنطقة بدون إعادة إعمار فكرى ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر فكريا وثقافيا وطائفيا ودينيا.
نحن دولة نتعلم كل يوم، ومع كل درس نتعلمه لا بد أن نأخذ قرارات لنطور بها مستقبلنا. وبالحديث عن المستقبل ولماذا غيرنا اسم إحدى الوزارات لتكون أيضًا وزارة للمستقبل؟ أقول لأننا نتعلم أيضًا من المستقبل وليس فقط من التاريخ.
بذلنا جهودًا كبيرة فى السنوات الأخيرة لاستشراف المستقبل، ولدينا خطط كبيرة وسياسات وطنية علمية وتقنية تتجاوز قيمتها الـ300 مليار درهم استعداد لاقتصاد المستقبل، اقتصاد لا يجعل أجيالنا رهينة لتقلبات اسواق النفط ومضارباتها وعرضها وطلبها.
لا بد لحكوماتنا أن تفكر بما بعد اقتصاد النفط من اليوم لا بد من إعادة النظر فى المنظومة التشريعية والإدارية والاقتصادية بشكل كامل للابتعاد عن الاقتصادات المعتمدة على النفط. لا بد من وضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء اقتصادات مستدامة لأبنائنا ولأبناء أبنائنا.
نعم نحن مغرمون بالمستقبل وما يحمله.. المستقبل يحمل تغييرات عظيمة، فى الصحة وطرق التعليم وفى إدارة مدن المستقبل وفى الخدمات الذكية وفى التنقل المستقبلى وفى الطاقة المتجددة وفى الفضاء، ونحن وضعنا رهاننا فى موجة التغييرات القادمة، واستثمرنا فى أبنائنا، وتجربتنا مفتوحة للجميع للاستفادة منها.
لا أكتب هذا المقال اليوم تفاخرا أو أعجابا بأية إنجازات، بل أكتبه لأرسل رسالة للمنطقة من حولنا بأنه بيدنا لا بيد غيرنا يأتى التغيير، منطقتنا ليست بحاجة لقوى عظمى خارجية لإيقاف انحدارها، بل لقوى عظمى داخلية تستطيع التغلب على موجة الكراهية والتعصب التى تضرب نواحى الحياة فى الكثير من دول المنطقة.
أكتب مقالا لإرسال رسالة بأنه لا بد للحكومات بأن تراجع دورها، دور الحكومات هو خلق البيئة التى يستطيع الناس من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وذواتهم.. خلق البيئة وليس التحكم فيها.. تمكين الناس وليس التمكن منهم .. وظيفة الحكومات خلق البيئة التى يستطيع الناس أن يحققوا فيها سعادتهم، نعم وظيفة الحكومات هو تحقيق السعادة.. ولسنا جدد فى الحديث عن السعادة .. منذ فجر التاريخ والكل يطلب السعادة.. أرسطو ذكر أن الدولة كائن حى يتطور ليسعى لتحقيق الكمال المعنوى والسعادة للأفراد.. وابن خلدون كذلك.. وفى مقدمة الدستور الأمريكى نص على حق الجميع فى السعى لتحقيق السعادة.. بل إن هناك مطالبات من الأمم المتحدة بتغيير المعايير المعتمدة لقياس نجاح الحكومات.. من معايير اقتصادية لمعايير تتعلق بسعادة الإنسان.. وخصصت الأمم المتحدة يومًا عالميًا للتأكيد على أهميته.
السعداء ينتجون أكثر.. ويعيشون أطول.. ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل حسب الدراسات.. أستغرب من استغراب الكثيرين من تعييننا وزيرا للسعادة فى حكومتنا.. السعادة لها مؤشرات وبرامج ودراسات.. السعادة يمكن قياسها.. وتنميتها وربطها بمجموعة من القيم والبرامج.. سعادة الأفراد، وسعادة الأسر، وسعادة الموظفين فى عملهم، وسعادة الناس عن حياتهم، وتفاؤلهم بمستقبلهم، ورضاهم النفسى والمهنى والمجتمعى، كل ذلك يحتاج لبرامج ومبادرات فى كافة قطاعات الحكومة ولا بد من وجود وزير لمتابعة ذلك مع كافة القطاعات والمؤسسات الحكومية، عندما نقول بأن هدف الحكومة هو تحقيق السعادة فنحن نعنيه حرفيا وسنطبقه حرفيا وسنسعى لتحقيقه بما يتناسب مع طموحات شعبنا وتطلعاته وعاداتنا وثقافتنا.
نعم نحن غيرنا حكومتنا، وأتمنى أن نكون نموذجًا يمكن أن يستفيد منه غيرنا، ومعادلة التغيير عندنا بسيطة: تنمية تقوم على منظومة من القيم.. ويقودها الشباب.. وتستشرف المستقبل.. وتسعى لتحقيق سعادة الجميع.