20 يوما مرت على أسرته كأنها سنوات، فتشوا خلال تلك الفترة عن ابنهم البالغ من العمر 12 عاما، والأمل يتناقص من أمام أعينهم كلما مرت الأيام دون أى معلومة تنبئ عن مكان وجوده، أو تكشف عن سر اختفائه المفاجئ، خاصة أن الدلائل كانت تشير وتؤكد لهم أنه خرج دون عودة، وأن مكروها أصابه، خاصة أنه يقود «توك توك» للعمل عليه، حتى شاء القدر أن تنتهى رحلة البحث عنه باكتشاف مقتله على يد عصابة مكونة من 3 عاطلين، لسرقة التوك توك، والعثور على جثته مدفونة بمنطقة جبلية بالعياط.
وعلى الرغم من الحزن والمرارة التى عانى منها أفراد أسرة الطفل الضحية بسبب الجريمة البشعة التى تعرض عليها دون ذنب، فإن قلب والديه نال جزءا من الراحة بعد عثورهم على جثة طفلهم، ودفن جثته بمقابر العائلة، ليبقى محتفظا بجزء كبير من ذاكرة الأب والأم، وجانب مؤلم من حياتهما غير قابل للنسيان.
«انفراد» رصدت الجريمة التى دارت أحداثها بقرية بدسا التابعة لمركز العياط، جنوب محافظة الجيزة، والتقت أسرة الطفل الضحية «وحيد صاوى» لتنقل المأساة التى راح ضحيتها المجنى عليه الذى كان يحلم بالاستمتاع بسنوات طفولته، مع مواجهة مصاعب الحياة والعمل المبكر للمساعدة فى نفقات أسرته.
فى قرية تبعد ما يقرب من ربع ساعة عن طريق العياط الرئيسى، يوجد منزل المجنى عليه، حيث يظهر الحزن على سكانها نتيجة الحادث الذى أثار مشاعر جميع أهالى القرية الصغيرة، عدد من أفراد الشرطة والخفر يجلسون بناصية الشارع الكائن به سكن الضحية، والذى يجاوره منزل المتهم الرئيسى بارتكاب الجريمة، مهمة القوة الأمنية الصغيرة متابعة الحالة الأمنية، والتصدى لأى اشتباكات قد تقع بين أفراد عائلة القتيل والقاتل، بينما يتردد عدد من الأهالى وأصدقاء الأسرة على المنزل لتقديم واجب العزاء، ومواساة والد الطفل.
«صاوى فكرى» والد الضحية تحدث لــ«انفراد» عن الجريمة التى تعرض لها ابنه فقال: «ابنى وحيد يبلغ من العمر 12 سنة، وعلى الرغم من صغر سنه، فإنه كان يتصرف مثل الرجال، بدأ العمل كسائق على توك توك ملك أحد أهالى القرية يدعى «عبد القادر رأفت» للمساهمة فى توفير نفقات الأسرة، بسبب المصاعب المادية التى تواجهها العديد من الأسر فى الآونة الأخيرة».
يوم الحادث خرج «وحيد» للعمل كعادته اليومية على التوك توك، حيث اعتاد التنقل بين أنحاء القرية لتوصيل الركاب من الطريق الرئيسى لداخل القرية، ويرافقه فى عمله ابن مالك التوك توك «طارق»، وهو طفل صغير فى مثل عمره، وفى منتصف اليوم اختفى «وحيد» ولم يعد إلى المنزل بينما عاد ابن صاحب التوك توك، وعندما سألناه عن مكان وجوده، ذكر أن أحد الأشخاص يرتدى «جاكيت أسود اللون، وبنطال جينز»، طلب منه توصيله خارج القرية، ورفض أن يصاحبه ابن صاحب التوك توك خلال توصيله.
وأضاف والد الضحية: «بحثنا عن ابنى بأنحاء القرية وفتشنا فى القرى المجاورة، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، ولم تظهر أى معلومات تقود إلى مكانه، وبعد مرور 24 ساعة على اختفائه حررنا محضرا بمركز شرطة العياط بتغيبه، ثم عثرنا على كاميرا مراقبة خاصة بأحد المحلات ترصد التوك توك الذى يقوده ابنى وبصحبته الشخص الذى يرافقه، إلا أن ملامحه لم تكن واضحة بسبب ضعف دقة الكاميرات».
وتابع والد الطفل حديثه فقال: «مرت عدة أيام دون التوصل لأى دلائل تكشف حقيقة اختفاء ابنى، وأثناء مواصلة رحلة البحث، حضر ابن صاحب التوك توك الذى كان برفقة ابنى، وذكر أن أحد الأشخاص المشاركين فى عملية البحث وهو جارنا «أيمن. ي. ع» 27 سنة عاطل، هو الشخص الذى طلب من ابنى توصيله، صاحب الجاكيت الأسود، وبمواجهته أنكر الاتهام المنسوب إليه، وقال إنه بالفعل طلب من الطفل توصيله إلى السوق، ثم تركه عقب ذلك، فتم إبلاغ مركز شرطة العياط بما توصلنا إليه، وألقى رجال المباحث القبض على المشتبه به، إلا أنه تم إخلاء سبيله دون إدانة، حيث لم يثبت ضده دليل يفيد تورطه فى الحادث.
واستكمل «رضا» عم الطفل المجنى عليه رواية تفاصيل الحادث فقال: «شاء القدر أن صاحب التوك توك الذى كان يعمل عليه الطفل كان فى طريقه بصحبة آخرين لشراء ماشية من قرية العزيزية المجاورة لقرية المجنى عليه، حيث شاهد التوك توك المختفى بصحبة أحد الأشخاص، مما دفعه للتحفظ عليه، وأكد أن التوك توك مسروق وتدخل عدد من أهالى القرية، وتأكدوا من صحة كلامه، خاصة أنه قدم لهم أرقام الشاسيه والموتور الخاص بالتوك توك.
وأضاف أن الشخص الذى تم ضبط التوك توك بصحبته أكد أنه اشتراه من أحد الأشخاص، ولا يعلم أنه مسروق، فتم إبلاغ مركز شرطة العياط بالعثور على التوك توك، وبدأ المقدم أحمد صبحى رئيس مباحث مركز شرطة العياط، ومعاونه النقيب كريم عليان فى كشف غموض الحادث، بعد أن تم التوصل للسمسار الذى توسط فى بيع التوك توك المسروق، ويدعى «محمد. ر. ج»، ليتم التحفظ عليه، وبمواجهته ذكر أن 3 أشخاص يرتبط بعلاقة صداقة بأحدهم وهم كل من «أيمن.ي.ع» و«عبده إ.ع» و«أحمد.س.ح» حضروا لمسكنه، وطلبوا منه مساعدتهم فى بيع التوك توك، حيث باعه مقابل 4500 جنيه.
وعلى الفور تم إعداد عدة أكمنة وتمكن رجال المباحث من ضبط المتهمين الثلاثة، حيث كانت المفاجأة أن جار المجنى عليه «أيمن. ي. ع» هو المتهم الرئيسى بقتله، وبمواجهته أمام العقيد على عبد الرحمن مفتش المباحث الجنائية ذكر أنه استدرج الضحية بحجة توصيله بصحبة المتهمين الآخرين إلى مصنع الطوب بقرية كفر حميد، وخلال سيرهم بالمنطقة الجبلية، أمسك المتهم الأول «أيمن» بسلك كهرباء وخنق الطفل من الخلف بمساعدة شريكيه، ثم دفنوا جثته بحفرة بالمنطقة الجبلية، واستولوا على التوك توك لبيعه.
ومن جانبه ذكر «فوزى قرنى» أحد أفراد أسرة المجنى عليه أن المتهم الرئيسى جار الطفل كان يشارك فى عملية البحث عنه بعد اختفائه، فى محاولة لإبعاد الشبهة عنه، مضيفا أنه ينطبق عليه المثل الشعبى «قتل القتيل ومشى فى جنازته»، حيث لم يتوقع أى شخص أن يكون «أيمن» هو مرتكب الجريمة، حيث كانت تربطه بهم علاقة طيبة كباقى أبناء القرية.
وأضاف أن قوة أمنية من مركز شرطة العياط توجهت إلى المكان الذى أرشد عنه المتهمين بدفن الجثة، وتم العثور عليها فى حالة يرثى لها بسبب مرور عدة أيام على مقتله، وتم العثور على السلك الكهربائى ملفوفا حول رقبته، حيث تم استلام جثمانه بعد انتهاء عملية التشريح والتصريح بدفنه من جانب النيابة العامة، وتم تشييع جنازته بمشاركة كل أبناء القرية،فى مشهد مهيب أحزن الجميع.
وطالبت أسرة الضحية بالثأر لمقتل ابنهم، والحصول على حقه، بسرعة محاكمة المتهمين، وإصدار أحكام قضائية تعادل الجريمة التى ارتكبوها بحق طفل دون ارتكابه أى ذنب، سوى أنه قرر الاعتماد على نفسه والعمل لمساعدة أسرته، إلا أن طمع المتهمين وشيطانهم دفعهم للتخلص من براءته ودفن طفولته.