يوم الأحد الماضى توجهت "رقية رضوان" المطربة الشابة الكفيفة إلى فرع البنك الأقرب إليها لتتمكن من صرف حوالة مالية تحتاجها لأجل دفع تكلفة إقامة والدتها بالعناية المركزة فى واحدة من المستشفيات. كانت تقدر لمشوارها أن يستغرق عدة دقائق هى كل ما تحتاجها لإثبات هويتها للبنك وصرف الحوالة إلا أن الأمر لم يمر بهذه البساطة واحتاجت لأكثر من ساعة حتى تتمكن من صرف الحوالة بعد معركة طويلة مع الروتين وتعقيدات المعاملات البنكية التى يواجهاها المكفوفين.
بأثار انفعال لم تختفِ تمامًا تحكى "رقية" لـ"انفراد": لم تكن المرة الأولى التى أصرف فيها حوالة بنفسى، وكذلك أصدقائى قالوا لى إنهم اعتادوا صرف الحوالات بأنفسهم ولكننى فوجئت بالبنك يرفض أن يعطينى المال من دون "معين" يرافقنى.
تضيف: لم يكن الرفض وحده ما أزعجنى ولكن الطريقة غير اللبقة والجارحة فى الحديث فالموظف قال لى "انتى ما بتشوفيش هصرف لك فلوس إزاى، افرضى اديتك فلوس مش مظبوطة"، أخبرته أن والدتى فى العناية المركزة وإذا لم أحصل على النقود لن تتمكن من البقاء فى العناية، ولكنه لم يبد أى تفهم ولا تعاطف وأصرّ على التعنت وقال لى "هاتى أى حد معين" سألته هل أتِ بشخص من الشارع فأجاب بالموافقة، إذن كيف يدعون أن هذه القوانين لحمايتنا بينما يمكن أن أحضر أى شخص لا أعرفه ليضمننى فقط؟ وبالفعل لم يصرفوها لى إلا بعد نحو ساعة عندما تدخل شخص آخر من الموجودين فى البنك لم أعرفه من قبل وضمننى لأتمكن من صرف الحوالة.
تتابع: بالنسبة لى كانت المعاملة استفزازية جدًا وأعترف أننى انفعلت بشدة عليهم لدرجة لم أتمنى ان أصل لها، شعرت بالإهانة وكأننى فاقدة للأهلية وأنه يجب أن تنتهك خصوصيتى لأننى كفيفة، بينما أنا يمكننى ككل شخص آخر أن أتولى شؤونى بنفسى فى كل تفاصيل حياتى وأنا أعرف أيضًا كيف أعد النقود من خلال مقارنة أحجام الورق.
شكوى "رقية" لم تكن الأولى للمكفوفين عند إجراء تعاملات بنكية وحتى الآن لن تكون الأخيرة فى غياب لوائح واضحة ومنطقية للتعاملات البنكية للمكفوفين، وهو ما يأملوا أن يتحقق فى عام 2018 الذى أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسى عامًا لذوى الاحتياجات الخاصة.
عن تجارب مشابهة يتحدث "بليغ عبدالنبى زيدان" الطالب الكفيف بكلية الآداب جامعة لغة عربية "نتمنى قبل كل شيء أن يتعامل معنا موظفى البنوك بطريقة لائقة وأن تتغير نظرته لنا، كذلك نظرة المجتمع بشكل عام فنحن قادرين على القيام بكل شيء بأنفسنا، وأنا على سبيل المثال أعمل فى شركة بالبحيرة جنبًا إلى جنب مع دراستى. أتمنى أيضًا ألا يطلب البنك منا اثنين معينين فهذا تعقيد لا داعى له وانتهاك لخصوصيتنا فى شيء دقيق جدًا كالمعاملات المالية.
يضيف: أتمنى أيضًا أن يفعلوا ماكينات الصرافة بالناطق للمكفوفين كى نتمكن من استخدامها دون الاضطرار لدخول البنك، أو الاستعانة بشخص أمام الماكينة مما يعرضنا للسرقة أحيانًا إذا لم يكن معنا مرافق.
أما "مصطفى محمد" الأربعينى الذى يعمل بواحدة من شركات الاتصالات فتعرض لمشكلة أخرى يحكى عنها: "نواجه مشكلة أخرى وهى القروض، فعلى الأغلب قروض المكفوفين لا يتم صرفها ويماطلوا فى اعتمادها حتى نمل، أنا شخصيًا كنت أواجه ضائقة مالية ولجأت لأحد البنوك لأطلب قرض شخصى بضمان وظيفتى، وبعد تقديم الطلب بوقت طويل توجهت للبنك لأسأل عنه فأخبرونى أنه لم يدخل على النظام لأنك كفيف.
وحين سألت عن ما يمنع إذا كانت لديهم كل الضمانات اللازمة تغير الكلام وقالوا إن المشكلة هى أن المرتبات الخاصة بشركتك لا تضاف لحسابك بشكل أوتوماتيكى وإنما يحضرها موظف كل شهر وهو كلام غير منطقى أبدًا خاصة أننى أعمل فى واحدة من كبرى شركات الاتصالات وحين اصررت على حقى وهددتهم بأن أصعد الأمر وأتحدث عن المشكلة للإعلام وافقوا على القرض، هذا يعنى أن كل العرقلة السابقة لم تكن منطقية وليس لها سبب حقيقى".
ومن واقع تعاملاته البنكية اوجز "طارق صلاح" الشاب الثلاثينى أهم المشاكل التى تواجه المكفوفين من وجهة نظره، فيقول "أول عائق يقابلنا هو أن يطلبوا منا تواجد اثنين من المعينين أو الشهود، وكأن البنك يعتبرنى فاقد للأهلية، وبعض البنوك تطلب منى معين واحد مع حكم قضائى لا أعرف حتى كيف أحصل عليه، وهذا انتهاك صارخ لخصوصيتنا فمن الممكن أن أطلب من شخص واحد أن يرافقنى كزوجتى أو والدى أو أمى فلماذا يجبرنى أن أحضر شخصًا آخر وكأننى فاقد الأهلية؟
نحتاج أيضًا أن تكون هناك لوائح واضحة ومحددة تنظم تعاملاتنا البنكية فكلما أذهب لبنك مختلف يحدثوننى عن شروط مختلفة ويقولوا لى فى النهاية إن هذه تعليمات البنك المركزى، لذلك اناشد رئيس البنك المركزى بصفته أن يهتم فى هذا العام المخصص لذوى الاحتياجات الخاصة بأن يتم توحيد القوانين التى تنظم التعاملات البنكية للمكفوفين.
من المزعج أيضًا حين نفتح حسابًا بنكيًا أن يقول لى الموظف أنه ليس من حقى الحصول على فيزا أو "credit card" لأننى كفيف على الرغم من أننى أقبض راتبى من عملى ببطاقة مشابهة فلماذا يقرروا أننا لا يمكننا التعامل مع ماكينة الصراف الآلي؟ لقد حفظت الماكينة ويمكننى التعامل معها ولكن الأفضل بالطبع أن يفعلوا الماكينات الناطقة. وأخيرًا نتمنى ألا يتعامل الموظفون باستخفاف مع المكفوفين فنحن بإمكاننا عمل كل شيء كأى شخص آخر.
يشار إلى أن البنك الأهلى المصرى أعلن فى مارس الماضى أنه سيتم تشغيل ماكينات صراف آلى لذوى الاحتياجات الخاصة والمكفوفين قبل سبتمبر 2017 ولكن إلى الآن لم يتم تركيب أو تشغيل أى من هذه الماكينات.
بدوره علق أحمد مرسى الخبير المصرفى على قواعد التعاملات البنكية للمكفوفين وقال لـ"انفراد": قبل سنوات كان يشترط لفتح حساب لأحد المكفوفين أن يكون معه شاهدًا من الأقارب بالدرجة الأولى ليقرأ له كل البنود الخاصة بفتح الحساب، وكذلك عند صرف النقود عند السحب ليشهد بأن الكفيف نفسه هو من استخدم الختم الخاص به للتوقيع على الأوراق. وأشار إلى أن الكفيف يجب أن يستخدم الختم والبصمة معًا للتوقيع على أوراق المعاملات البنكية.
وأضاف: قبل نحو شهرين تغيرت القواعد وأصبح يشترط أن يرافقه اثنين من الشهود ولا يشترط أن يكونا من الأقارب بالدرجة الأولى، وهذا فى النهاية يهدف إلى حماية الكفيف.
أما فى ما يخص القروض فقال: القروض الشخصية للمكفوفين تتم الموافقة عليها بشكل طبيعى حال استيفاء الشروط ولكن القروض التجارية قد يكون اتخاذ القرار بالموافقة عليها صعبًا تخوفًا من ألا يتاح للكفيف إدارة مشروعه التجارى بفاعلية.
يتفق معه الدكتور محسن خضير، الخبير المصرفى ويقول: لا تتم عرقلة قروض المكفوفين وإنما الهدف هو الاطمئنان وحماية العميل نفسه. ويضيف: وجود الكفيل أو الضامن أثناء المعاملات البنكية للمكفوفين هدفها الأول والأخير حمايتهم وضمان أنه هو نفسه من قام بهذه المعاملات، وهو أمر متعارف عليه منذ بدأ نظام البنوك.