سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 يناير 1893.. الاحتلال الإنجليزى يهدد الخديو عباس الثانى: «أمامك يوم للتراجع وإلا العاقبة وخيمة عليك»

كان الوقت صباحا حين توجه اللورد كرومر مندوب الاحتلال البريطانى فى مصر إلى السراى بعابدين، لمقابلة الخديو عباس حلمى الثانى يوم 17 يناير «مثل هذا اليوم» عام 1893، حسب تأكيد أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو فى مذكراته، الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة، حمل كرومر البرقية التى تلقاها من وزير خارجيته اللورد روزبرى، وتتعلق بالأزمة التى تفجرت بقرار الخديو إقالة حكومة مصطفى فهمى باشا وتعيين حكومة جديدة «راجع: ذات يوم 15 و16 يناير 2018». عرض كرومر البرقية على عباس، ووفقا لشفيق كان نصها: «إن الحكومة الإنجليزية تنتظر أن يؤخذ رأيها فى المسائل الخطيرة مثل تغيير النظار، وأنه فى الوقت الحاضر لا تبدو أية ضرورة للتغيير، لذلك لا تستطيع الحكومة الإنجليزية أن توافق على تعيين حسين فخرى باشا»، ولم تكتفِ البرقية برفض خطوة الخديو، وإنما رفعت السقف إلى التهديد الواضح والقاطع بأن لفت وزير الخارجية البريطانى نظر كرومر قائلا: «يجب على اللورد أن يعرف الخديو بأنه إذا كان يرفض أخذ رأيه فإن العاقبة تكون وخيمة عليه، وأنه يجب على اللورد عندئذ يراجع حكومة جلالة الملكة لتلقى تعليماتها». رد الخديو وفقا لشفيق باشا، بأن قال إنه يرى تنازله عن العرش أهون عليه من إرجاع مصطفى فهمى، فرد كرومر، بأن أمهله لليوم التالى للوقوف على رأيه النهائى، وترك له صورة البرقية، لتزداد الأزمة اشتعالا، فسلطة الاحتلال تصمم على رأيها، وتهدد الخديو بخلعه إذا لم ينصع لإرادتها، وأمام ذلك نشطت أطراف داخلية وخارجية للوساطة بين الطرفين، ويذكر محمد فريد فى مذكراته «تحقيق: رؤوف عباس» عن «دار نهضة الشرق-القاهرة»، أنه بعد لقاء عباس وكرومر حضر إلى عابدين قنصل إسبانيا بصفته أقدم القناصل، وقنصل ألمانيا والتمسا من الخديو تغيير «فخرى باشا» لحسم الإشكال، لاسيما وأن المسألة انتقلت من دور المبادئ الأصلية إلى دور الشخصيات. فى نفس الوقت نشطت الوساطات الداخلية، ويذكرها شفيق باشا قائلا: «فى عصر ذلك اليوم «17 يناير»، ذهب بطرس غالى باشا وتيجران باشا وهما من النظار إلى اللورد كرومر محاولين الوصول إلى التفاهم تمهيدا لزيارة اللورد للخديو فى اليوم التالى «18 يناير»، واقترحت الوساطة حلا يقرب المسافة بين الطرفين، وكان وفقا لشفيق، ألا يعود مصطفى فهمى باشا إلى منصبه كرئيس للنظار تحقيقا لرغبة الخديو، لكن فى نفس الوقت يستقيل حسين فخرى الذى اختاره الخديو تحقيقا لرغبة كرومر، ويعين رياض باشا رئيسا للنظار، ويقدم الخديو بلاغا رسميا بذلك إلى كرومر، ويؤكد «شفيق باشا» أن كرومر وضع صيغة هذا البلاغ بنفسه، وكان نصه: «يرغب الخديو رغبة شديدة فى أن يوجه عنايته لا يجاد أصدق العلاقات الودية مع إنجلترا، وأنه يسير بكل رضاء بموجب نصيحة الحكومة الإنجليزية فى كل المسائل الهامة فى المستقبل». طبقا لشفيق باشا فإن هذا الحل تم برضا وتوافق القطبيين الدوليين وقتئذ، فرنسا وبريطانيا، ففرنسا كانت ترى أن مصطفى فهمى يعمل ضد نفوذها فى مصر، وبالتالى فإن إبعاده نصرا لها، أما بريطانيا ومن خلال «كرومر» فترى أن «فخرى باشا» يؤيد نفوذ فرنسا، وإبعاده نصرا لها، أما «عباس»، فنفذ رغبته فى إبعاد «فهمى»، لكنه عجز عن فرض البديل الذى اختاره، وهو «فخرى باشا». كان «رياض باشا»، هو الحل الذى توافقت عليه أطراف الأزمة، ويذكر محمد فريد: «استدعى الخديو، رياض باشا رجل مصر الوحيد وكلفه بقبول رئاسة المجلس مع بقاء الوزراء الذين انتخبهم سموه، فوعده رياض بالتفكير فى ذلك وانصرف، فأرسل الخديو خلفه والدى «فريد باشا»، ليلح عليه فى القبول نظرا للحالة الحاضرة، فتوجه والدى إليه وعاد أخبر الخديو أنه قبل تقريبا، وسيقابل سموه فى القبة عند الغروب ثم توجه إليه كما وعد وقبل الرئاسة»، وحسب شفيق فإن صيغة التكليف الذى وجهه الخديو إلى رياض كانت: «بناء على ما اتصفتم به من الغيرة والإخلاص، عهدنا إليكم بتشكيل هيئة النظارة، وكونوا واثقين بأنه يمكنكم فى كل الأحوال أن تعتمدوا على تعضيدنا ومساعدتنا لكم»، وبالرغم مما حمله هذا التكليف من إيجابية من الخديو نحو رياض، إلا أنه يصفه فى مذكراته قائلا: «لم تكن له مميزات النظار، كان عديم القدرة، وغير مهذب، ومهينا لمن هم أقل منه، كان يجهل كل اللغات الأوروبية، وكان يحتفظ دائما بسلوكيات الأتراك القدماء»، وهكذا انتهت الأزمة لكن المصريين تفاعلوا معها فى اليوم التالى.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;