فى الحروب لا يوجد سوى المآسى والكوارث، وقد عانى الشرق الأوسط عدد كبير من الأزمات فى تاريخه، ويُعتبر ما يحدث فى سوريا حاليًا الأبرز على الساحة العربية، خاصة أن الأوضاع أخذت منحى فاق كل حدود التصورات البشرية، ووصل إلى نقطة يراه الكثيرون مدى صعوبة العودة منه، ومن أحدث ما أثير عن الأوضاع فى بلاد الشام هى الاتهامات المتبادلة بين الأطراف المختلفة حول استخدام السلاح الكيماوى فى المعارك الدائرة بالمناطق المتفرقة، وللعلم فإن ظهور هذا السلاح الفتاك ليس الأول فى تاريخ الوطن العربى.
تكمن خطورة السلاح الكيماوى الذى ظهر للمرة الأولى بقوة خلال الحرب العالمية الأولى، وفقاً لما يقوله توماس ناش، مراقب تسلح يعمل مع هيئة مقرها بريطانيا، وذلك فى تصريحات سابقة لهيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" إن الأسلحة الكيميائية لها خصوصية ربما يكون سببها أنها لا ترى بالعين ولا يمكن الهرب منها وأنها تسبب موتا مؤلمًا جدًا، مضيفًا :"كان يفترض أن يتعلم العالم من فظائع الأسلحة الكيميائية خلال الحرب العالمية الأولى، وألا يستخدمها لكن لم تمر سوى بضع سنوات على مجازر الحرب الأولى قبل أن تستخدمه بريطانيا ضد الأكراد العراقيين، وفى أفغانستان أيضًا، وذلك قبل حظرها نهائيًا فى بروتوكول جنيف لعام 1925".
الشعب السورى.. آخر الضحايا
بما أن العالم لا يتعلم الدرس فإن شعوب عربية عانت ويلات الكيماوى خلال أزماتها، وآخرها الشعب السورى بكل تأكيد، والذى مازالت الأطراف المختلفة بالأزمة تلقى مسئولية استخدامه على بعضها، وفى هذا الإطار أوردت وكالات أنباء عالمية تصريحات لوزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون خلال مؤتمر صحفى مشترك جمعه مع نظيره الفرنسى جان إيف لو دريان، قال فيه أنه ينبغى تدمير كل مخزون الكيماوى السورى، متهما روسيا بأنها مسئولة عن استخدام النظام السورى للسلاح الكيماوى، موضحًا أنها انتهكت الاتفاق مع الولايات المتحدة بشأن الكيماوى السورى، ويجب محاسبة المسئولين عن هذه الأفعال.
وتأتى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى بعد ما تابعه العالم أجمع فى 4 أبريل الماضى بمنطقة خان شيخون بسوريا من مشاهد مريعة لنساء وأطفال وكبار تظهر عليهم علامات الشعور بالغثيان والتشنجات العضلية فضلا عن ظهور رغوة على الفم، وفى أول أكتوبر الماضى أفاد تقرير لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أن غاز السارين استخدم فى سوريا فى هجوم خان شيخون الذى أسفر عن وفاة العشرات وإصابة المئات، كما اتهمت الأمم المتحدة النظام السورى بالوقوف وراء المجزرة، فيما قالت وزارة الخارجية الروسية إن تقرير المنظمة الدولية الذى حمل النظام السورى مسئولية الهجوم يتضمن "عناصر متضاربة" كثيرة و"شهادات مشكوك بصحتها".
وفى ظل هذا التضارب وإلقاء المسئولية بين الأطراف المتصارعة يقف الشعب السورى وحيدًا وسط هول تلك المآسى وفى كل يوم تزداد معاناتهم أكثر وأكثر بدون التوصل إلى حل يخفف عن كاهل هول هذه الكوارث الذى ستسجل فى تاريخ البشرية، لاسيما أن واقعة خان شيخون ليست الأولى فقد سبق أن استخدم السلاح الكيماوى فى أكثر من معركة على مدار السنوات الأخيرة أبرزها الغوطة خلال عام 2013.
حلبجة الكردية.. وصمة عار فى تاريخ البشرية
ورغم فظاعة ما حدث ويحدث فى سوريا إنما تمتلك ذاكرة الوطن العربى ما هو أفظع من هذا ويتعلق باستخدام السلاح الكيماوى ففى مارس 1988 شهدت مدينة حلبجة الكردية القريبة من حدود إيران كارثة بالمعنى الحرفى للكلمة بعد قصف القوات العراقية البلدة بالسلاح الكيميائى مما أدى إلى مقتل قرابة 5 آلاف من سكانها بشكل فورى، وكان هذا القصف على خلفية اجتياح القوات الإيرانية للبلد الصغيرة فى أواخر الحرب العراقية الإيرانية التى استمرت لمدة 8 سنوات.
جريمة إسبانية على الأراضى المغربية
وقبل كارثة مدينة حلبجة الكردية، كان العرب على موعد مع جرائم حرب، وبالتحديد فى منطقة الريف شمال المغرب خلال الفترة من 1921 إلى 1926، وكانا بطل تلك الجرائم كل من إسبانيا وفرنسا اللتين كانتا احتلتا المغرب واستعانا أثناء تلك الفترة الزمنية بقوات من كل من الولايات المتحدة وبلجيكا وإيطاليا فى حربهم ضد المقاومة الريفية بقيادة محمد عبد الكريم الخطابى.
وفى عام 1924 أقدم الجيش الإسبانى على تصرف هجمى بعدما ألقى بقنابل تجريبية كيميائية لمحاولة إخماد مقاومة شمال المغرب، وجاءت التصرفات الوحشية للقوات الإسبانية قبل عام واحد من توقيع معاهدة جنيف لحظر استخدام الغازات السامة والخانقة فى الحروب مثلما حدث فى الحرب العالمية الأولى.
ورغم تعدد رسائل المجتمع الدولى بأنه لا تسامح مع استخدام الأسلحة الكيميائية إلا أنه لايزال الآلاف يقضون نحبهم بسبب استخدامه فى عدد من مناطق النزاعات فى العالم خاصة أن الكثيرين لا يلتزمون بالاتفاقات الدولية ولا يعيروها أى انتباه قبل ارتكاب جرائمهم.