فى ساعة متأخرة من الليل وجه قائد الأمن المركزى أمرا إلى الطلاب المعتصمين فى ميدان التحرير بالتفرق، لكنهم رفضوا، فأعطى الأوامر لقواته بتفريقهم بالقوة فى الساعات الأولى من صباح 25 يناير «مثل هذا اليوم 1972، وفقا للدكتور أحمد عبد الله، فى كتابه «الطلبة والسياسة فى مصر»، ترجمة: إكرام يوسف، عن «دار سينا للنشر - القاهرة».
كان الاعتصام استمرارا لانتفاضة طلاب الجامعات المصرية، وبدأت حسب «عبد الله»: «بعد خطاب رئيس الجمهورية أنور السادات يوم 13 يناير 1972 الذى أرجع فيه عدم الوفاء بوعده فى جعل عام 1971 «عام الحسم»، إلى اندلاع الحرب الهندية الباكستانية، وكان هذا الوعد يتعلق بالحرب لتحرير الأرض العربية المحتلة فى نكسة 5 يونيو 1967، ويؤكد «عبد الله»: «بدأت الانتفاضة من كلية الهندسة جامعة القاهرة حيث توجد الكتلة الأساسية النشطة من «جماعة أنصار الثورة الفلسطينية»، التى نظمت مؤتمرا لمناصر الثورة الفلسطينية فى الاحتفال بذكرى انطلاقها قبيل خطاب السادات بأيام، وفى اليوم التالى انعقد مؤتمرا موسعا شهد نقدا للحكومة، وفى المساء تحول المؤتمر إلى اعتصام، وحضر الدكتور كمال أبو المجد أمين الشباب بالاتحاد الاشتراكى «التنظيم السياسى الوحيد فى مصر»، ووزير الشباب بعد ذلك إحدى الجلسات، لكنه فشل فى تهدئة الطلاب، فاضطر إلى مغادرته وسط وابل من الصفير وصيحات الاستهجان».
يؤكد عبد الله، أن الغضب انتقل إلى باقى كليات جامعة القاهرة، وفى 20 يناير انعقد مؤتمر كبير فيها، أسفر عن تشكيل «اللجنة الوطنية العليا للطلاب» برئاسة أحمد عبد الله ولجنة لصياغة «وثيقة طلابية»، وتشكل وفد طلابى لتوصيلها إلى الرئيس فى منزله بالجيزة مع دعوته للحضور إلى الجامعة للإجابة على تساؤلاتهم، ولكنهم لم يتلقوا إجابة شافية من سكرتاريته، فبدأ اعتصام ألف طالب ليلا فى نفس اليوم بقاعة جمال عبد الناصر بالجامعة، واستمر أربعة أيام، كما حدث اعتصام مشابه فى جامعة عين شمس، وذهب أعضاء اللجنة إلى مجلس الشعب وتقدموا بوثيقتهم، وجرى الاتفاق على نشرها فى الصحف فى اليوم التالى مقابل فض الاعتصام، لكن فى فجر يوم 24 يناير جرى الاقتحام لفضه، ويتذكر وقائعه «كمال خليل» طالب كلية الهندسة، وأحد قيادات الانتفاضة: «كنا ننام على الأرض ونفرد السجاجيد كبطاطين فوقنا لتلافى برد الشتاء، وفجأة جاءت مجموعة من فرق الحراسة والنظام من الطلاب، تصرخ: «اصحوا يا زملاء، مجنزرة ضخمة بتقتحم باب الجامعة بالجنزير، صرخ طلاب: لابد أن نقاوم، لن نستسلم، احضروا بعض الشوم والفؤوس من مخزن لمعدات الدفاع المدنى ببدروم القاعة، ودخل ضابط اسمه العقيد الفولى، وقال من خلال مكبرات الصوت: «كله يسلم نفسه، كل واحد يرفع إيديه الاثنين لفوق، وتخرجوا من القاعة فى طابور فردى، أوعدكم بشرفى هتروحوا حالا على بيوتكم، الأوامر عندى من أعلى الجهات بفض الاعتصام».
يتذكر خليل: «أمسك أحمد عبد الله زعيم الاعتصام الميكروفون، وألقى أجمل الكلمات: «أيها الشباب، لن نقاوم، ألقوا العصى والفئوس القليلة على الأرض، القوة غير متكافئة، نحن عزل أصحاب مبادئ، معركتنا مستمرة معهم، سنراهن على جماهير الطلاب وعلى الحركة الطلابية، قد نستسلم لهم فى هذه اللحظة أمام جحافل قواتهم، لكن الحركة الطلابية لن تستسلم ولن تلين، العقيد الفولى، نقول لك: لا تحلف بشرفك، لأن إحنا عرافين كويس أنك معندكش شرف، لا أنت ولا السلطات العليا اللى أعطت الأوامر باقتحام الحرم الجامعى، لو كان عندهم شرف كان نفذوا الاتفاق معاهم بنشر وثيقة الطلاب على الرأى العام، إخوانى الطلبة..مشوارنا لسه فى أوله.. ومادام بدأنا نكمله»، ورفع «عبد الله» يديه إلى أعلى ليشكل أول طابور المعتقلين».
تقرر بدء عطلة نصف السنة الدراسية، لكن الطلاب وحسب «عبد الله» تدفقوا صباح «24 يناير»، واكتشفوا القبض على زملائهم، فانطلق نحو عشرين ألفا إلى ميدان التحرير، واستمرت المظاهرات، وفى المساء حدث اعتصام حول قاعدة التمثال وسط الميدان، وجذب المنظر الفريد سكان القاهرة، فساعدوا بتقديم الطعام، والأغطية والبطاطين فى تلك الليلة الباردة».
شارك الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، وحسب «خليل»: «غنى إمام مع نجم والمعتصمين «جيفارا مات»، ويؤكد عبد الله: «فى ساعة متأخرة من الليل وجه قائد قوات الأمن المركزى أمرا بالتفرق إلى الطلاب الذين كانوا ينشدون الأناشيد الوطنية وتم تفريقهم بالقوة فجرا، ليتجمعوا ثانية فى مجموعات أصغر تطوف بالمنطقة وهم يهتفون: «اصحى يا مصر»، واستمرت المظاهرات حتى الظهر.
ألهم الحدث الشاعر أمل دنقل فكتب قصيدته الشهيرة «الكعكة الحجرية»، ويؤكد غالى شكرى فى كتابه الثورة المضادة» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»: «فى هذه الليلة بعث عمال حلوان برسالة تأييد إلى الطلاب، وألقى القبض ليلتها على العدد الأكبر من قادة الحركة الطلابية، والعمال الذين كتبوا الرسالة».