السعادة التى كانت تراودها يوم الخميس لم تكن مرتبطة فقط باليوم الأخير فى الأسبوع، وبالتالى اليوم الأخير فى الدراسة وأن غدًا الجمعة إجازة، ولكنه كان يعنى أيضًا فرحة من نوع آخر بسبب تلك البوابة الصغيرة لعالم من الخيال والسحر تأتى فى عدة صفحات تحمل اسم "مجلة ميكى"، والتى تبدأ متعتها قبل حتى قرائتها ولكن منذ تأخذ خطوتها الأولى نحو الكشك القريب من المنزل لتشترى العدد الأسبوعى منها، وتحرص أن تأخذ بنفسها هذه الخطوة "كان لازم أنا اللى اشتريها عشان دا يدينى أحقية إنى أقرأها الأول".
العلاقة بين "آيات جودت" الطفلة من جيل الثمانينيات، والتى أصبحت الآن أمًا لطفلة فى الثالثة من عمرها، لم تكن تنقطع بالمجلة بعد أن تنتهى من قرائتها فى المرة الأولى، وتقول لـ"انفراد" "باقى الأسبوع ممكن أعيد قراية اللى فات، وأعداد المجلات التانية والكتب زى فلاش وسماش، كنت ممكن أعيد قراية المجلات إلى مالا نهاية، وبعدين كنت أبنى بيت وأخلى العرايس يقوموا معايا ببطولة اللعبة".
هذه العلاقة الفريدة والذكريات المرتبطة بالمجلات هى ما تجعل "آيات" تدرك تمامًا ما تفتقده طفلتها "مريم" التى تربطها علاقة من نوع خاص هى الأخرى لكن بـ"التابلت" والـ"سمارت فون"، وتقول "هو طبيعى يكون فى فرق أجيال وعصور وكده، حتى إحنا كأهالى لو بنقرأ بنقرأ على اللابتوب أو التابلت، بالتالى فكرة الورق مش موجودة زى زمان فى حياة الأطفال".
وعن أثر ذلك المنعكس على طبيعة وحياة طفلتها تقول "إحنا كان عندنا صبر شوية، كنا بنفرح بالحاجات لكن مريم ماعندهاش صبر.. هى بتدوس على الحاجة بتتعمل.. تحسى كده إن مافيش إثارة فى حياتها".
تضيف "خيالها كويس، هى بتألف قصص وتحكيها لأنها بتسمع قصص وحواديت وتتفرج على كارتون بس طريقة لعبها نفسها معدومة، عندها كمية كبيرة من اللعب ومش بتلعب بيهم غير بالعافية، وبترميهم وتزهق بعد وقت قصير، لدرجة إنى لميت اللعب كلها وخبيتها وقلت لها إنى رميتهم وما فرقش معاها".
الاختلافات بين "جيل المجلات" و"جيل الآى باد"
هذه المشاهد تعرفها جيدًا آلاف البيوت المصرية التى لا تخلو من طفلٍ يحدق لساعات طويلة فى الشاشة، إما شاشة التلفزيون أو أحد الهواتف الذكية، أو الاثنين فى وقتٍ واحد.
ورغم أن هذه التكنولوجيا جعلت العالم كله بين يديه وجعلته كما يقولون "قرية صغيرة"، وفتحت له بابًا سحريًا على العالم، إلا إنه يفتقد الكثير من التفاصيل التى لا يعرفها سوى الجيل الذى تربى على المجلات، بدءًا من رائحة المجلات الجديدة، وملمس الورق ومتعة حل الألغاز بالقلم الرصاص كى لا نفسد متعة الحل على إخوتنا الذين ينتظرون دورهم فى الاستمتاع بالمجلة بفارغ الصبر.
هذه الاختلافات بين الجيلين لا ترجع فقط لاختلاف الزمن وتغير الظروف، ولا ترجع فحسب لانتشار التكنولوجيا بقدر ما يتسبب بها انحسار مجلات الأطفال ليس عن أيدى الأطفال فحسب ولكن انحسارها عن الصدور من الأساس.
العديد من الدراسات اهتمت بتقفى أثر التكنولوجيا على الطفل، وهى الدراسات التى يمكن أن تدلنا بكل بساطة على الاختلافات بين أطفال المجلات وأطفال الهواتف الذكية..
جيل الـ "سمارت فون" أقل تفاعلاً..
قالت "جينى راديسكى" المدربة السريرية فى السلوك التنموى بجامعة بوسطن لطب الأطفال فى تصريحات صحفية نشرتها "الواشنطن بوست" فى فبراير 2015 نقلاً عن دورية طب الأطفال الأمريكية، إنه على الرغم من أن التأثير المباشر لهذه الأجهزة على سلوك الأطفال لا يزال غير معروف نسبيًا إلا إنه من المؤكد أن زيادة وقت التلفزيون والأجهزة التكنولوجية يقلل من نمو الطفل الاجتماعى ومهاراته اللغوية والاجتماعية، رغم تأثيرها الإيجابى على تعليمه، وأضافت أن أن الاستخدام الكثيف للأجهزة المجمولة فى سن مبكرة يؤثر بدرجة كبيرة على نمو الأطفال وسلوكهم بشكل عام لاسيما تطورهم الاجتماعى والعاطفى.
وأشارت إلى أن الأطفال لا يمكن أن يتعلمون من التلفزيون والفيديو كما يفعلون من التفاعلات الواقعية فى الحياة، وأن استخدام هذه الأجهزة قبل سن 30 شهرًا فى مهام غير تربوية قد يضر التنمية الاجتماعية والعاطفية للطفل.
الأطفال مدمنى "التابلت" أقل إبداعًا..
التسلية هى الدافع الذى يربط الأطفال بهذه الأجهزة ويجعلهم يدمنونها، ويجعل الأهالى أيضًا يحاولون استخدامها لإلهاء الأطفال، وهنا مربط الفرس حسبما تثبت الدراسات العلمية، إذ وجد باحث فى جامعة إيست انجليا للتعليم والتعلم أن الملل يعزز قدرة الطفل على الإبداع والتفكير الخيالي، وقال فى مادة وثائقية بثتها شبكة "بى بى سى" عام 2013، إن الأطفال الذين يقضون الكثير من وقتهم أمام الشاشات يمكن أن يفقدوا قدرتهم على أن يكونوا مبدعين.
جيل الهواتف الذكية.. يستمتع بالنوم أقل
وجدت دراسة أمريكية نشرت فى يناير 2015، أن 90% من الأطفال لا يحصلون على القدر المطلوب من النوم بسبب استخدام الأجهزة الإلكترونية، بالإضافة إلى استهلاك كميات كبيرة من المشروبات الغازية والكافيين.
وقالت المؤلفة المشاركة فى الدراسة "آن مارى تشانج" من جامعة بنسلفانيا الأمريكية إنه ثبت التأثير السلبى للتكنولوجيا على الأطفال قبل النوم، وأنها يمكن أن تعيق النوم وتتسبب فى تأخر الساعة البيولوجية.
أطفال "اليومين دول" أكثر توترًا..
حسب دراسة ألمانية أجراها باحثون فى جامعة مانهايم فإن استخدام الهواتف الذكية يزيد من التوتر لدى الأطفال والمراهقين، وأشارت الدراسة أيضًا إلى أن 20% ممن شملتهم الدراسة يعانون مشاكل فى التحصيل الدراسى بسببها.
وأشارت الدراسة التى نشرتها مجلة "فوكوس" الألمانية فى أكتوبر الماضى، إلى أن 11% من 500 طفل ومراهق شملتهم الدراسة تعرضوا للمضايقات أو الإقصاء من مجموعات بسبب الهاتف الذكى، خاصة فى تطبيق "واتساب".
الهواتف الذكية تجعل الأطفال أكثر عنفًا..
حذرت منظمة شرطة الهواتف الذكية من أن الهواتف الذكية تحول الأطفال إلى مجرمين، لأنها تسهل عليهم الوصول للمواد الإباحية على الإنترنت والصور العنيفة التى يمكن أن تشوه وتشوش تصوراتهم عن السلوك العادي، وذلك حسبما نشرت صحيفة "تليجراف" البريطانية فى أبريل 2014.