سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 4 فبراير 1893.. البابا كيرلس الخامس يعود إلى القاهرة بعد عزله ستة أشهر بأمر الخديو عباس الثانى

وصل «البابا كيرلس الخامس» بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية إلى القاهرة، بعد غياب ستة أشهر قضاها معزولا فى دير «البراموس» فى البحيرة بقرار الخديو عباس حلمى الثانى، فكان استقباله عظيما يوم 4 فبراير 1898، وفقا لكتاب «تاريخ الأمة القبطية» تأليف «يعقوب نخلة روفيلة»، عن «مؤسسة القديس مرقس لدراسات التاريخ القبطى- القاهرة»، وصدرت الطبعة الأولى منه عام 1898، أى بعد حدث عودة «البابا» بخمسة أعوام، وكان «روفيلة» معاصرا له، وكتب شهادته عنه. يصف «روفيلة» مشهد العودة قائلا: «كان يوما عظيما والاحتفال بقدومه يفوق الوصف، فخرج لاستقباله عدد لا يحصى، وكان الزحام من شارع «كلوت بك» إلى المحطة شديدا جدا بالنسبة لكثرة الناس فضلا عن الذين فى البيوت، وكان راكبا معه فى العربة حضرة «إلياس بك» مندوب الحكومة وجنود السوارى والمشاه تحيط بها، وكان خلف عربته محافظ مصر، وورد إليه نحو ألفى تلغراف من وجهاء المصريين وأعيانهم وذواتهم بتهنئة بالعود سالما، واستمر المهنئون يفدون عليه بالدار البطريركية أياما، وبعد قليل وصل أيضا نيافة مطران الإسكندرية فاحتفل الناس بقدومه احتفالا شائقا أيضا». كانت العودة نهاية لمشكلة، يقول عنها «روفيلة»: «شغلت أفكار الناس مدة، وكان من ورائها تشتيت كلمة الأمة وتفريق وحدتها»، ودارت حول العلاقة بين البطريرك والمجلس الملى الذى صدر به قانون فى مايو 1882 أيام الثورة العرابية، طبقا لصلاح عيسى فى «حكايات من دفتر الوطن» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة»، ويؤكد «روفيلة» أنه لما ارتقى «كيرلس الخامس» كرسى البابوية طلب منه الأعضاء إقرار وجود المجلس الملى والاعتراف به فأجاب طلبهم، ومضت العلاقة بين الطرفين طيبة حتى وقعت مشاكل أدت إلى الانقسام، وانحل المجلس مدة سبع سنوات، وفى سنة 1891 نهض دعاة الإصلاح إلى تجديد الانتخاب وإعادة المجلس، واجتمع خمسة من أعيان وكبار الأقباط مع البابا لهذا الغرض، لكنه أبلغهم أنه ينوى إدخال تعديلات فى اللائحة، ولن يتم ذلك إلا بعد عودة بطرس باشا غالى من أوربا، وطال الكلام بينهم وبين جنابه، وكثر الأخذ والرد حتى انفصل الفريقان بدون نتيجة. قاد فشل الخمسة فى إقناع البابا إلى دعوتهم للشعب القبطى لاجتماع فى دار البطريركية ينتخب «مجلس ملى»، وكان البابا حسب «عيسى»: «رجلا طاهرا نقيا، شفافا كالندى، وفى الوقت نفسه قويا كأقوى ما يكون الرجال، عنيدا صلب الشكيمة، يملك قدرا بالغا من التحدى، وترأس الكنيسة 53 عاما، ومات وزاد عمره عن قرن كامل، وشهد وهو بطريرك ثورتين عظيمتين هما، الثورة العرابية وثورة 1919، وأسهم فى صياغة الموقف الوطنى الذى اتخذته الثورتين ضد الاستعمار»، وبهذه السمات الشخصية واجه معارضيه، فأبلغ الشرطة التى أحاطت الدار، ومنعت الاجتماع فاشتعل الصراع، بينه وبين طلاب المجلس الملى الذين شكلوا جمعية سموها «جمعية التوفيق القبطية» وبين المساندين للبابا، وتكتلوا فى جمعية سموها «الجمعية الأرثوذكسية». انتقلت المشكلة من عهد الخديو توفيق إلى ابنه «عباس حلمى الثانى» الذى تولى الحكم فى يناير 1892، ووفقا لعيسى، فإنه فى صيف هذا العام سافر بطرس غالى إلى الخديو الجديد وعرض عليه رغبة أبناء الطائفة القبطية فى تشكيل «المجلس الملى»، فوافق الخديو، ووجه بطرس دعوة باسمه إلى أبناء الطائفة للاجتماع فى الدار البطريركية لحضور الانتخاب، وأوفدت المحافظة رجال أمن حتى لا يشتبك المختلفون، ولم يحضر البابا، ولم يترأس الاجتماع كما تنص اللائحة، وأسفر الاجتماع عن اختيار 24 عضوا للمجلس، لكن البابا أتهم هؤلاء بأقوى اتهام وهو «ارتباطهم مع المتمذهبين بمذاهب مخالفة لقواعد الكنيسة»، فردوا بإقناع الحكومة بعزل البابا، وهو ما حدث يوم 27 يوليو حيث قررت فى اجتماعها برئاسة الخديو عباس يوم 27 يوليو 1892 بإعفاء البابا، واختار المجلس الملى أسقف صنبو «أثناسيوس» بدلا منه، وصدقت الحكومة والخديو على القرار، لكن البابا ومن كنيسة الإسكندرية التى يترأسها المطران «يوأنس»، ترأس اجتماعا للمجمع المقدس، وانتهى إلى قرر بطرد «أثناسيوس» من الكنيسة، فرد المجلس الملى باتهام «البابا» بنشر الهياج فى الكنيسة، وعدم شرعية قراره ضد «إثناسيوس»، وطالب بإبعاده إلى در البراموس، وإبعاد وكيله «يوأنس» إلى دير «الأنبا بولا» فى بنى سويف، فوافقت الحكومة وفى 9 سبتمبر 1892 نفذ محافظ الإسكندرية القرار. يؤكد عيسى، أنه حين دخل أسقف «صنبو» الدار البطريركية لممارسة عمله فى اليوم التالى لعزل «كيرلس الخامس»، فوجئ بقرار حرمانه، وتعقدت المشكلة بهجرة الأقباط دار البطريركية وباقى الكنائس، وأمام ذلك زادت المطالب بعودة البطريرك، حتى تم التوصل إلى حل قدمه «قلينى فهمى باشا»، بأن يتقدم المجلس الملى بالتماس إلى رئيس الوزراء «رياض باشا» يرجو الحكومة بإعادة «كيرلس الخامس» لمنصبه، ويتم استقباله استقبالا طيبا ويمنحه الخديو «الوشاح المجيدى»، وبالرغم من رفض بطرس غالى لهذا الحل، إلا أن الخديو أمر به يوم 31 يناير 1893، وفى 4 فبراير عاد «البابا» إلى القاهرة ليبدأ ممارسة نشاطه والعفو عن معارضيه.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;