ألقى عبداللطيف البغدادى، رئيس مجلس الأمة المصرى، كلمة قصيرة أمام المجلس الذى كان يعقد آخر جلساته كمجلس «قطرى»، ثم دعا الرئيس جمال عبدالناصر ليلقى خطابه حول الإعلان عن الوحدة بين مصر وسوريا، وحسب محمود رياض، سفير مصر وقتئذ فى دمشق «وزير الخارجية المصرية وأمين عام جامعة الدول العربية فيما بعد»، فى الجزء الثانى من مذكراته «الأمن القومى العربى بين الإنجاز والفشل»، فإن مجلس النواب السورى عقد جلسته فى نفس اليوم 5 فبراير 1958، وتحدث أمامه الرئيس السورى شكرى القوتلى.
تحدث عبدالناصر فى خطابه عن مبادئ الدستور المؤقت، وعن شواهد التاريخ التى تؤكد وحدة المصير بين البلدين: «تاريخ القاهرة فى خطوطه العريضة هو بنفسه تاريخ دمشق فى خطوطه العريضة، وقد تختلف التفاصيل ولكن المعالم البارزة هى نفس المعالم، نفس الدول الغزاة، نفس الملوك، نفس الأبطال، ونفس الشهداء»، وضرب الرئيس أمثلة قائلا: «القاهرة التى سارعت فى النصف الأخير من القرن التاسع عشر إلى فتح النوافذ لتيارات النهضة، تحولت إلى قلعة للفكر الحر فى الشرق العربى، وما لبث رواد الحرية فى سوريا ورواد الحرية فى المنطقة العربية كلها أن وفدوا إليها يتحصنون بأسوارها المنيعة، يبعثون منها إشعاعات الفكر لتعبئ وتلهم، بل إن القاهرة تحولت فى مطلع القرن العشرين فأصبحت هى ودمشق المركز الرئيسى للجمعيات السرية التى راحت تناضل جبروت سلاطين إسطنبول، من أجل تحرير الأمة العربية بكل ما يملكه الشباب من روح البذل والفداء».
وقال عن مواصفات الدولة الجديدة: «لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق، إن دولة جديدة تنبعث فى قلبه، لقد قامت دولة كبرى فى هذا الشرق، ليست دخيلة فيه، ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، تقوى ولا تضعف، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرط، تشد أزر الصديق، ترد كيد العدو، لا تتحزب ولا تتعصب، لا تنحرف ولا تنحاز، تؤكد العدل، تدعم السلام، توفر الرخاء لها، لمن حولها، للبشر جميعا، بقدر ما تتحمل وتطيق». وبعد انتهاء عبدالناصر من خطابه، أيد المجلس بالإجماع ترشيحه كأول رئيس للجمهورية العربية المتحدة، فى استفتاء شعبى يجرى يوم 21 فبراير على مبادئ الدستور المؤقت.
وفى دمشق، وحسب كتاب «إشكاليات الوحدة- الجمهورية العربية المتحدة من الفكرة إلى الدولة» تأليف: عونى فرسخ، عن «دار المستقبل العربى- القاهرة»: «عقد مجلس النواب فى اليوم ذاته جلستين: الأولى صباحية تكلم فيها رئيس المجلس أكرم الحورانى كلمة حيا فيها الرئيس القوتلى ونضاله وتضحياته، وأخرى بعد الظهر قدم فيها الرئيس القوتلى عرضا موجزا لنضال سوريا فى سبيل التحرر والاستقلال، ثم استعرض مبادئ الدستور المؤقت التى تم الاتفاق عليها».
واختتم كلمته بإعلانه أنه وجه إلى رئيس مجلس الأمة المصرى رسالة صباح اليوم، وهو يعتبرها موجهة أيضا إلى مجلس النواب السورى، ولكل مواطن فى الجمهورية العريية المتحدة بصفته المواطن العربى الأول فى الدولة الجديدة، تضمنت ترشيحه للرئيس جمال عبدالناصر لرئاسة الدولة فى الاستفتاء الشعبى المقرر إجراؤه يوم الجمعة 21 فبراير 1958، ووفقا لفرسخ، فإن القوتلى قال: «إن ذلك الترشيح يتم شعورا منى بالواجب تجاه أمتى وبلادى، وثقة منى بالإخلاص للرجل العربى المؤمن الذى تعقد عليه الأمة أكبر الآمال، وتقديرا لما يتمتع به من صفات النزاهة والجرأة والإقدام، وعلى رأسها تفانيه فى خدمة أمته وقوميته العربية»، ويؤكد «فرسخ»: «بعد أن أنهى القوتلى كلمته وافق مجلس النواب السورى بإجماع أعضائه الحاضرين على البيان، ويذكر «خالد العظم» فى مذكراته، أنه بعد أن طرح أكرم الحورانى، قرار الوحدة للتصويت قوبل بعاصفة من الهتاف المتواصل، وصعد النائب سهيل الخورى على طاولته هاتفا: «يعيش جمال عبدالناصر.. يعيش.. يعيش.. تعيش الوحدة»، ونصت موافقة المجلس على: «أن مجلس النواب يرى فى ترشيح سيادة الرئيس جمال عبدالناصر لرئاسة الجمهورية العربية المتحدة الضمانة الأكيدة للسير بالدولة العربية الفتية نحو تحقيق أهداف القومية العربية، وتوطيد العدالة والخير والسلام للعرب والإنسانية».
يرصد «فرسخ» الجوانب التى تميزت بها جلسة «النواب السورى» وحددها فى ظاهرتين: «الأولى، حضور رئيس حزب الشعب رشدى الكيخا، فى إشارة إلى تأييد الحزب للوحدة علما بأن «الكيخا» كان قد استقال من المجلس النيابى ولم يحضر جلساته منذ أربعة شهور، وتمثلت الظاهرة الثانية فى تخلف خالد بكداش «رئيس الحزب الشيوعى» عن حضور الجلسة، فى إشارة عبرت عن معارضة الحزب للوحدة، وغادر دمشق إلى موسكو فى اليوم التالى».