في ليلة حارة من يوليو الماضى، ترك الأنبا إبرام أسقف الفيوم مقره بالمدينة، وخلع عنه عمة الأساقفة وترك عصا الرعاية التى تسلمها منذ ما يزيد عن 30 عاما، وعاد إلى ديره بوادى النطرون، راهبًا ناسكًا لا يرغب في شئ، تاركًا خلفه كل تلك السنوات من التعمير في كنائس الفيوم وأديرتها وتلك الشعبية الكبيرة التى يحظى بها أحد أهم معلمى اللاهوت الكنسى، ولآنه كذلك فقد كان يعلم أن تركه لإيبراشيته قد يوقع الكنيسة فى الكثير من المشكلات بسبب غيابه غير المألوف، إلا إنه لم يلتفت لذلك وقال فى رسالة تقدم بها للمجمع المقدس، أن شوقه لله كبير ويريد أن يقضى الباقى من عمره بالقرب من الله وفى محبته التى قضى عمره نذرا لها.
المعضلة التى تسبب فيها الأنبا إبرام هى الفراغ الذى خلفه، فقوانين الكنيسة تمنع الأساقفة من الاستقالة طوال حياتهم، وتعتبر الأسقف زوج للايبراشية لا ينفصل عنها إلا بالموت، ومن ثم فإن الكنيسة مطالبة بترك منصبه شاغرًا حتى وفاته، ودون أن يقوم أحد على رعاية تلك الايبراشية حتى وإن كانت السنوات الماضية قد شهدت تعيين الأنبا إسحق أسقفا مساعدًا له، ولكنه لا يوقع على القرارات الهامة والنهائية.
التزم البابا الصمت طوال تلك الفترة، خاصة حين أشيع إن استقالة الأنبا إبرام بسبب خلاف بينه وبين البابا تفجر على إثر تصريحات أسقف الفيوم السابق ضد قبول معمودية الكاثوليك التى وقع البابا تواضروس اتفاقية تخصها مع بابا الفاتيكان، وترتب عليه توتر العلاقة بين البابا وأسقف الفيوم، واستبعد إسناد الإشراف على أحد الأديرة إلى أسقف أخر بديلا عن الأنبا إبرام، فى تلك الفترة زادت الشائعات حتى وصلت إلى قلاية "سكن الراهب"، الأنبا إبرام فى دير الأنبا بيشوى، وتظاهر كهنة إيبراشيته وشباب الخدام والشمامسة.
رفض المجمع المقدس، استقالة الأنبا إبرام بعدما عقدت لجنة شئون الإيبراشيات اجتماعًا طالبته فيه بالعودة لإيبراشيته وتوالت زيارات الأساقفة عليه إلا أنه رفض أن يلتقى بأحد، ورفض العودة لمزاولة مهامه، مما وضع البابا تواضروس فى موقف حرج فلا هو يستطيع إقالته أو قبول استقالته ولا يستطيع أن يعين بديلًا له.
تفتق ذهن البابا إلى تعيين الأنبا اسحق نائبًا باباويًا ومشرفًا على إيبراشية الفيوم، لينجو من فخ مخالفة قوانين الكنيسة من ناحية، ويتمكن من إسناد الإيبراشية وشئون كنائسها لمن هو أهل لها وكان مساعدًا للأنبا إبرام فى آخر سنوات عمله.
من جانبه، فرق الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة بين القانون الكنسى والعرف المعمول به، وقال لـ"انفراد"، إن الكنيسة ليس لديها قانون يحكم مسألة استقالة الأساقفة وتفرغهم للخلوة ولكنهم فى الوقت نفسه قد اعتادوا العمل وفقًا لأعراف كنسية منذ فترة.
وأوضح أسقف شبرا الخيمة فى تصريحات لـ"انفراد"، إن المجمع المقدس وافق من قبل على استقالة الأنبا متياس أسقف المحلة الكبرى وتم تعيين أسقف بدلا منه، مشيرًا إلى عدم وجود قانون كنسى وإلا فإن الأساقفة قد خالفوه بقبول استقالة أسقف المحلة الكبرى فى عصر البابا شنودة، معتبرًا إن قرار تعيين الأنبا إسحق بديلًا للأنبا إبرام ونائبا باباويا قد نجح فى تجاوز عقبة القوانين الكنسية.
ما فعله البابا تواضروس، فى أزمة الأنبا إبرام تعيد للأذهان موقف الأنبا مينا مطران جرجا الراحل الذى توفى عام 2003، ولكنه ترك الخدمة الكهنوتية قبل ذلك بعامين، حيث أرسل الأنبا مينا مطران جرجا رسالة مكتوبة وموقعة إلى البابا شنوده الثالث، يطلب تعيين نائب بابوى لإيبارشية جرجا نظرًا لتدهور حالته الصحية، ونظرًا لسنه وشيخوخته والاحتياجات المتزايدة للخدمة، ومسئوليتها الجسيمة، وبناءً على توصية لجنة الإيبارشيات، فوَّض المجمع المقدس فى جلسة 2 يونيو 2001 البابا فى تعيين نائب بابوى لإيبارشية جرجا، يكون مسئولًا عن الخدمة الرعوية فى الإيبارشية، من كل نواحيها الروحية والإدارية والمالية، وكافة ما تتطلَّبهُ الخدمة من احتياجات، تحت إشراف البابا، على أن يقيم الأنبا مينا بدير الملاك شرقى جرجا حسب طلبه، وذلك بعد الاستغناء عن خادمه الخاص "وهبة جرجس مجلع"، وإخلاء طرفه من المطرانية، وتولى الأنبا دانيال أسقف المعادى الحالى، والذى كان أسقفا مساعدًا للأنبا مينا منذ عام 1991 مسئولية الخدمة بالإيبراشية وقتها تماما كما حدث مع الأنبا إسحق والأنبا إبرام.