قضت المحكمة الدستورية العليا، اليوم السبت، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، بعدم دستورية نص البند 7 من المادة (13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، والتى تنص على أنه فيما عدا ما نص عليه فى قوانين خاصة تسلم صورة الإعلان ما يتعلق بالمسجونين لمأمور السجن.
كما قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص المادة (81) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون؛ فيما لم يتضمناه من وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه.
وحددت المحكمة اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره، دون إخلال باستفادة المدعى منه.
وقالت المحكمة فى حيثياتها أن المقرر كذلك - فى قضاء هذه المحكمة - أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن حق الدفاع أصالةً أو بالوكالة - وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد كفله الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معًا فى دائرة الترضية القضائية التى يُعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندًا لضمانة الدفاع، مؤكدًا لأبعادها، عاملاً من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدًا عن حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعًا وراء جدران صامتة؛ يؤيد ذلك أن الحقوق التى يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها تتجرد من قيمتها العملية إذا كان من يطلبها عاجزًا عن بلوغها من خلال حق التقاضى، أو كان الخصوم الذين تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم فى أسلحتهم التى يشرعونها لاقتضائها. ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالاً بالحق المقرر دستوريًّا لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، وليس النزول عليها إلا توكيدًا للحق فى الحياة والحرية، حائلاً دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلاً بحق كل شخص فى أن يعرض بنفسه وجهة نظره فى شأن الواقعة محل التداعى، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبًا إلى الحق فى أن يقيم باختياره محاميًا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه - لثقته فيه - أقدر على تأمين المصالح التى يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالاً، محيطًا بالخصومة القضائية التى تتناولها، نائيًا عن الانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
وحيث إن المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما قد مايز فى كفالة كل من حق التقاضى وحق الدفاع بين المتقاضين من الأشخاص الطبيعيين، إذ قسمهم - فى شأن وسائل اتصالهم بالخصومة فى الدعوى المنظورة - إلى فئتين، ووضع لكل منهما نظامًا لإعلانهم بتلك الخصومة يختلف عن الأخرى، بالرغم من تكافؤ المركز القانونى للخصوم فى الدعوى القضائية؛ فاختص الفئة الأولى منهما، المتمثلة فى المعلن إليهم غير المسجونين، بتنظيم تشريعى لتسليم الأوراق المطلوب إعلانها، تتضمن خطوات متتابعة تكفل ضمان علم المتقاضى المُعلن إليه بتلك الأوراق، وذلك على النحو الوارد بنصى المادتين (10) و (11) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فى حين افترض المشرع تمام هذا العلم بالنسبة للمعلن إليهم من الفئة الثانية التى تشمل المسجونين، بمجرد تسليم صورة الإعلان إلى مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه، على النحو الذى تضمنه النصان المطعون فيهما، وكان أولئك المتقاضين من الفئتين المشار إليهما فى مركز قانونى واحد بالنظر إلى وحدة توافر صفة المعلن إليه بأوراق الدعوى فى كل منهما؛ مما مؤداه وجوب خضوع التنظيم القانونى لإثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها لقواعد إجرائية وموضوعية وفقًا لمقاييس موحدة، سواء فى مجال اقتضاء الحق أو التداعى بشأنه، أو فى مجال الحق فى سلوك طرق الطعن فى الأحكام الصادرة فى المنازعات المطروحة أمام القضاء.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان هذا التمييز بين فئتى المتقاضين على النحو المتقدم يُعد تمييزًا تحكميًّا غير مبرر؛ إذ لم يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها طبيعة المنازعة، دون أن يقدح فى ذلك قالة استناد هذا التمييز إلى كون المعلن إليه مسجونًا مما يقتضيه ذلك من تنظيم إعلانه وفقًا للنظام القائم فى السجون، ودون أن يؤثر فى قيام هذا التمييز التحكمي غير المبرر ما يتضمنه نص المادة (81) من قانون تنظيم السجون المشار إليه من وجوب أن يتخذ مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه جميع الوسائل الكفيلة بإطلاع كل مسجون فى أقرب وقت على صورة أى حكم أو ورقة تُعلن إليه فى السجن وتفهيمه ما تضمنته، إذ لا يؤدى ذلك فى ذاته إلى ضمان ثبوت علم المسجون المعلن إليه بمضمون الأوراق محل الإعلان، ومن ثم فلا يُغنى الواجب المشار إليه عن إثبات واقعة تسليم المسجون المعلن إليه نفسه تلك الأوراق؛ توطئةً لعلمه بمضمونها، ومن ثم يكون النصان المطعون فيهما قد اختصا الفئة الثانية من فئتى المتقاضين المشار إليهما - وتشمل هذه الفئة المدعى فى الدعوى المعروضة - بمعاملة استثنائية تفتقر إلى الأسس الموضوعية التى تسوغها، بأن حرمتهم من ضمان تسليمهم أوراق الدعوى؛ توطئة لإحاطتهم بمضمونها، وكانت هذه المعاملة الاستثنائية لمجرد كونهم مسجونين، مع أن مساواتهم بأقرانهم أوجب وأولى لكونهم مقيدى الحرية من ناحية، ولوجودهم فى مكان معيّن معلوم وهو السجن من ناحية أخرى؛ مما مؤداه انعدام المانع أو الحائل المادى من تسليم الأوراق المطلوب إعلانها إلى أشخاصهم، وتبعًا لذلك؛ يكون هذان النصان قد سلبا المدعى، على خلاف أقرانه من أفراد الفئة الأولى، حقه فى النفاذ إلى القضاء وحرماه من ضمانة الدفاع، بعد أن أضحى عاجزًا عن بلوغها بانتفاء علمه بالدعوى المقامة ضده، جراء عدم تسلمه أوراقها، والاكتفاء بتسليم صورة إعلانها إلى القائم على سجنه، وغدا بذلك مسلوبًا أسلحته فى الدفاع وعرض وجهة نظره فى الواقعة محل التداعى فى مواجهة خصومه الذين تتعارض مصالحهم معه بشأنها؛ بالرغم من وجوب تماثلهم جميعًا في تلك الضمانات، وبذلك يكون النصان المطعون فيهما قد أخلا بمبدأ المساواة، وقيدا حق التقاضى، وأهدرا حق الدفاع؛ بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريتهما.