للمرة الأولى منذ 10 سنوات، حققت الموازنة العامة فائضا أوليا بقيمة 1.9مليار جنيه، خلال فترة 11 شهرا من السنة المالية الحالية (يوليو – مايو) 2017/2018، بعد أن كانت الموازنة تحقق عجزا أوليا متواصلا خلال تلك السنوات بلغ 47 مليار جنيه فى الفترة المماثلة من العام الماضى، فما هو هذا العجز الأولى؟ ولماذا ظل على وضعه طوال السنوات العشر الماضية؟.
العجز الأولى، هو الفرق بين الإيرادات التى تحققها الموازنة والمصروفات التى تنفقها بعد استبعاد الفوائد، أهمية هذا الحساب أنه يقيس قدرة المالية العامة على الاستدامة بمعنى آخر هل الإيرادات التى تحصلها الحكومة قادرة على سد نفقاتها المتمثلة فى الأجور والدعم والاستثمارات وشراء السلع والخدمات والمصروفات الأخرى، ويستبعد من هذا الحساب مصروفات الفوائد أى أعباء خدمة الدين.
ومن المفترض أن يحقق هذا الحساب فائضا أوليا، ولكن عانت الموازنة طوال العشر سنوات الماضية من عجز أولى متواصل ومتزايد نتيجة عدم قدرة الإيرادات التى تحققها الموازنة على تغطية نفقاتها، وتسبب هذا الأمر فى التوسع بالاقتراض لتغطية العجز وبالتالى دخلت الموازنة فى الدائرة المغلقة، عجز متزايد يقابله زيادة فى الاقتراض لتغطية هذا العجز وهكذا تدور الدائرة.
خطة الإصلاح الاقتصادى التى انتهجتها الحكومة خلال العامين الماضيين، كان الهدف الأول منها تقليص عجز الموازنة لتخفيف العبء وتقليل حجم الاقتراض بما ينعكس على تخفيض حجم الدين العام. نجحت الحكومة بالفعل فى تحقيق فائض أولى لأول مرة منذ 10 سنوات، رغم أنه كان مستهدفا أن يكون هذا الفائض بنسبة 2% من الناتج المحلى ولكن ما تحقق هو 0.1% فقط، ولكن التحول من عجز لفائض فى حد ذاته أمر هام.
هذا الفائض المتحقق يعنى قدرة الموازنة تدريجيا على تغطية نفقاتها الأساسية من خلال الإيرادات المتاحة والمتحققة بالفعل، ولكن هذا يحتاج لوقت طويل نسبيا فى ظل الارتفاع الكبير فى أعباء خدمة الدين التى تتحملها الموازنة، والمتوقع أن تتخطى 38% من حجم مصروفات الموازنة خلال السنة المالية المقبلة 2018/2019 وهى نسبة مرتفعة جدا.
الفائض الأولى بالموازنة إنجاز هام حققته الحكومة، ولكن من المهم أيضا إعادة النظر بصورة مختلفة إلى سياسة التوسع بالاقتراض سواء من الداخل عبر الأذون والسندات الحكومية، أو من الخارج بقروض أو بطرح سندات دولية بالعملة الأجنبية، لأن زيادة أعباء خدمة الدين بهذه الصورة الكبيرة، من شأنها أن تقلل من الإنجاز المتحقق بتحويل العجز الأولى إلى فائض، لأن النتيجة النهائية ستكون استمرار ارتفاع عجز الموازنة بصورة كبيرة يصعب السيطرة عليها.