حصل "انفراد" على ملاحظات قسم التشريع بمجلس الدولة على اللائحة الداخلية، حيث قال إنه تم تدارس اللائحة المعروضة على مدار عدة جلسات متتابعة لموافاة البرلمان بما خلصت إليه مراجعته فى أقرب وقت ممكن، إدراكاً منه لدقة الظرف، ومحاولة من جانبه لمبادلة العطاء الموصول بجهد مبذول، لم يدخر وسعاً لإنجازه.
وارتأى القسم أن يستهل مراجعته بالإشارة إلى أن النصوص الدستورية فى جملتها لا تعتبر محض توجيهات للمشرع، يكون له الخيار بين تطبيقها أو طرحها، وإنما تتوفر لها كافة خصائص القواعد القانونية الآمرة بغية نقل إرادة الأمة إلى صور واقعية، تعيش حقيقتها، وتفيد من ثمارها، ومؤدى ذلك ولازمه أنه متى تدخل المشرع الدستورى بالنص صراحة فى المادة رقم (190) على اختصاص مجلس الدولة "بمراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية...."، فإن هذا الاختصاص يضحى التزاماً دستورياً، يستوجب نهوض سلطات الدولة لإقراره وإعمال مقتضاه من الناحية الواقعية، ويكون الإخلال بهذا الاختصاص أو التخلى عنه عملاً مصادماً لجوهر الشرعية الدستورية، ومن ثم لا يسوغ من بعد الالتفات إلى ما قد يثار من محاولات تخصيص النص المشار إليه دون سند، أو إجهاد تأويله للتنصل من حكمه، كما لا يتصور من جانب مجلس الدولة أن يتقبل النهوض بأعباء الضمانة الدستورية المشار إليها بصورة رمزية، ليؤكد فى هذا المقام على اختصاصه الأصيل بتحقيقها، حقاً وصدقاً، بكافة مشتملاتها، وعلى تنوع مناهجها، غير مقيد فى ذلك إلا بما حُجز للسلطة التقديرية للمشرع.
ثانياً: أن التطبيق المعاصر لنظرية الفصل بين السلطات لا يعنى أن تعمل السلطات الثلاث بمعزل عن بعضها البعض، فتقيم كل سلطة حداً فاصلاً وقاطعاً يهوى بعلاقتها بغيرها إلى حد التنازع والتناحر، وإنما تُقيم السلطات فى الدولة تعاونا إيجابياً فيما بينها، تتصاعد حلقاته بالحد الذى يسمح بتبادل الرقابة وإقامة التوازن فيما بينها، فلا يحد السلطة إلا ولاية غيرها من السلطات.
وبناء عليه، وإذ أناط الدستور بمجلس الدولة مراجعة وصياغة مشروعات القوانين بغير تخصيص، فإن ذلك يبقى مفهوماً فى إطار التعاون الواجب بين السلطات فى الدولة، ولا شك أن هذا التعاون فرضته الحاجة إلى تبصرة سلطة إعداد مشروعات القوانين، أو سلطة اقتراحها ومناقشتها وإقرارها بحسب الأحوال ومن بعدهما سلطة إصدارها بكافة المخاطر المحتملة التى تحيط بالمشروعات المشار إليها، سواء بطريق المقابلة لنصوص الدستور، فتتكشف بذلك الشبهات الجدية لعدم الدستورية، أو بطريق الإحاطة بالمعالجات القائمة فى الواقع التشريعى المصرى والدولى، فيزول التعارض والتناقض أو التداخل بين التشريعات أو يتحقق فهم أوسع للموضوعات محل المعالجة، وذلك كله فى إطار من الاستئناس الإيجابى بتجارب الدول فى هذا الشأن.
ثالثاً: أن الدور الذى يقوم به قسم التشريع بمجلس الدولة منذ إنشائه بموجب القانون رقم 112 لسنة 1946، سواء فى مرحلة المراجعة، أو فى مرحلة ضبط الصياغة التشريعية، إنما يسانده فى إنجازه معايير استقر عليها العمل، واستخلصت فى شأنها مبادئ راسخة، استوى على قمتها مبدأ عدم تدخل مجلس الدولة فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع، وغنى عن البيان أن المجلس لم يعجز يومًا عن النهوض بمهمته، فى نطاق الحدود المشار إليها سلفاً، مهما اشتدت وطأتها أو تسارعت حلقاتها تحقيقاً للمصـلحة العامة.
وأكد على أن نص الدستور فى المادة رقم (118) منه على أن " يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه، وكيفية ممارسته لاختصاصاته، والمحافظة على النظام داخله، وتصدر بقانون، "فإن صحيح تفسير هذا الحكم يقضى بانصراف إرادة المشرع- خلافاً لما درجت عليه الدساتير السابقة- إلى تقرير قدر كبير من الضمانات للبرلمان حال مباشرته لمهامه التشريعية والرقابية، وعليه قرر إصدار اللائحة بقانون، وأناط بها تنظيم ما فوضت فيه، ومن ثم فإن مؤدى ذلك ألا تتدخل أحكام اللائحة بتعديل غيرها من القوانين السارية إلا بالحد والقدر اللازم لتحقيق واستيفاء التكليفات الدستورية المشار إليها، فلا تبسط أحكامها إلى ما ينال من ولاية السلطتين التنفيذية والقضائية أو غيرهما من الأجهزة والمؤسسات ذات الأساس الدستورى، ولا تتدخل بسلطان أحكامها بتعديل أو إلغاء التشريعات النافذة إلا ما كان منها متعارضا أو عائقاً للاختصاص المحجوز لها، وعلى أن تتقيد فى سبيل ذلك بكافة الضوابط الإجرائية والموضوعية المنصوص عليها دستورياً فى شأن تعديل القوانين المكملة وغير المكملة للدستور.
وقد استبان للقسم من مراجعة المشروع المعروض الآتى:
أولاً: أهم ما تضمنته أحكام المشروع:
1- تلاحظ للقسم أن مشروع اللائحة المعروضة تضمن الكثير من الإيجابيات والعلامات الطيبة، إذ حرص على تبنى ما يلزم من أحكام مستحدثة جاء بها الدستور واستبعاد النصوص المهجورة التى كشف الواقع العملى عن عدم العمل بها عبر السنوات المنصرمة، ولعل من أبرز الملامح التى توقف عندها قسم التشريع ما نظمه المشروع المعروض من إعادة تشكيل كل من اللجنة العامة ولجنة القيم وتوسيع اختصاصاتهما، وزيادة عدد اللجان النوعية بما يسمح بمزيد من التخصص والمشاركة.
2- كما نظم المشروع الإجراءات السياسية بين البرلمان ورئيس الجمهورية ابتداء من تزكية المرشح لهذا المنصب، مرورًا بإلقاء الرئيس للبيانات فى المناسبات المختلفة، وانتهاء بتقديم الاستقالة وخلو المنصب، كما نظم المشروع كيفية منح الحكومة الثقة، وإجراء تعديل فيها أو إعفائها من مهامها بعد اشتراك البرلمان فى منحها تلك الثقة تطبيقا لأحكام الدستور، كما راعى المشروع تنظيم كيفية تقديم الاقتراحات بقوانين ومشروعات القوانين من خلال اللجان النوعية المختصة، وكيفية ممارسة أدوات الرقابة البرلمانية المختلفة ابتداء من طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة والسؤال وانتهاءً بالاستجواب، ونظم المشروع كيفية سحب الثقة من الحكومة بعده، وكلها أحكام عكست رغبة أكيدة فى الحرص على ممارسة البرلمان لمهامه التشريعية والرقابية على أكمل وجه وأبعد مدى.
3- وقد كان لمعالجة المشروع المعروض لنظام الائتلافات البرلمانية نصيب وافر من المناقشات التى دارت بالقسم، واستبان له أن تنظيم هذه المسألة مما يدخل فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع، واستعرض القسم أحكام المواد أرقام (5)، (74)، (146) من الدستور، كما استعرض أحكام المواد أرقام (1)، (3)، (4) من قانون مجلس النواب الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 2014، واستظهر من تلك النصوص أن المشرع الدستورى استحدث التعددية السياسية جنباً إلى جنب مع التعددية الحزبية، كما استحدث اصطلاح " الائتلاف " وأناط به دوراً بالغ الأهمية يتمثل فى مكنة ترشيحه لرئيس مجلس الوزراء لتشكيل الحكومة.
وفى شأن التعددية السياسية، فلا ريب أنها جوهر الديمقراطية ونواة وجودها، فتتعدد بها بدائل المواطن للاختيار، ويتوارى أمامها نزعات التحكم والاستبداد، وتقيم بطبيعتها رقابة مجتمعية وسياسية ذاتية، تفيد منها الأقلية قبل الأغلبية، فتتمخض بذلك أدوات كفالتها مرتكزاً لكافة الحقوق الدستورية.
وفى شأن الائتلافات البرلمانية Qoalitionsparlementaires، فقد تناولته أحكام المشروع المعروض فى المواد من (94) حتى (104) على نحو دقيق ومحكم، ويقترب فى ملامحه الكلية من نظام المجموعات البرلمانية Groupesparlementaires المتعارف عليها فى النظم البرلمانية فى الدول الديمقراطية العريقة مثل فرنسا.
ولا تمثل تلك الائتلافات إلا صورة من صور التعددية السياسية التى أفرزتها الممارسات البرلمانية واقتضتها الضرورة إلى تنظيم عمل التكتلات السياسية داخل البرلمان، تنسيقاً للرؤى السياسية وتوحيداً لجهود أعضائها وضمانة لتعبير كل من الأغلبية والأقلية والمعارضة عن آرائها ونواة لتأسيس أحزاب سياسية مؤثرة وفاعلة. وبناء عليه، كان منطقياً أن تعترف النظم التى نشأت وترعرعت المجموعات البرلمانية فى كنفها ببعض الامتيازات للمجموعة، كضمان حد أدنى من تمثيل أعضائها فى لجان البرلمان، أو إتاحة مزيد من ضمانات تَحدُث المجموعات البرلمانية، أو تقرير منح مادية لكفالة مباشرة مهامها، وذلك كله دون الإخلال بحظر تأسيس الائتلاف أو المجموعة البرلمانية على أسس فئوية أو طائفية أو عقائدية، فضلاً عن حظر انضمام عضو البرلمان إلى أكثر من ائتلاف فى ذات الوقت.
4- كما توقف القسم بكثير من الاستحسان عند اهتمام المشروع بوضع مدونة للسلوك البرلمانى على غرار سائر برلمانات العالم، والحرص على تجنب تعارض المصالح، وإنشاء معهد وطنى للتدريب والتأهيل البرلمانى ينتظر أن يكون له دور فعال فى الارتقاء بمستوى الممارسة البرلمانية.
ثانياً : الملاحظات على مواد المشروع :
(1) الشبهات بعدم الدستورية:
المادة رقم (6):
استظهر القسم من نصوص المواد أرقام (11، 53، 81، 243، 244) من الدستور المصرى أن المشرع عمد إلى مساواة المواطنين أمام القانون وألزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز فيما بينهم، وكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل واتخاذ ما يلزم من التدابير التى تضمن تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية، وقد ردَدَ ذات الضمانة فى خصوص تمثيل كل من العمال والفلاحين والشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين فى الخارج فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار الدستور الحالي.
وبالبناء على ما تقدم، فقد تلاحظ للقسم أن الفقرة الأخيرة من هذه المادة تُخالطها شبهة تعارض مع حكم المادة رقم (53) من الدستور والتى تنص على أن "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز،........."، ولما كانت الأحكام التى قررت تمييزاً إيجابياً للمرأة وغيرها من الفئات إنما قصرت آثارها – نصاً وروحاً- على المرحلة السابقة على إكساب عضوية البرلمان دون انصراف إرادة المشرع الدستورى إلى استمرار ذات التمييز خلال مباشرة تلك الفئات لمهام عضويتها، وعليه خلص القسم إلى حذف هذه الفقرة درءاً لشبهة عدم الدستورية؛ لما قد تكتنفه من تمييز غير مبرر لصالح المرأة وحدها دون غيرها من الفئات التى قرر لها الدستور ذات المعاملة.
المادة رقم(175):
تلاحظ للقسم أن ما تضمنه النص المعروض من تقرير مدة الثلاثين يوما على الأكثر، ليباشر خلالها مجلس الدولة واختصاصه بمراجعة وصياغة مشروعات القوانين، وما رتبه من أثر على تجاوز مجلس الدولة لهذه المدة يتمثل فى استكمال مجلس النواب باقى إجراءاته فى شأن إقرار المشروعات المشار إليها، إنما انطوى على شبهة جدية بعدم الدستورية، وذلك على التفصيل الآتى:
أولاً: امتد تنظيم النص المعروض لشئون تتجاوز حدود الولاية المقررة للمسائل التى يتعين أن تنظمها أحكام مشروع اللائحة وعلى نحو ما سلف بيانه، فتجسد النص - بهذه المثابة- تعد ظاهر على الاختصاص المقرر لإحدى الجهات القضائية، ملزماً إياها بمباشرته بقيود لم يَنطق بها نص المادة رقم (190) من الدستور.
ثانياً: أن الأثر المترتب على تطبيق النص المعروض ينطوى فى حقيقته على مكنة الإخلال بالضمانة المقررة بحكم المادة رقم (190) من الدستور، فتستحيل بذلك إجراءً جائزا تخطيه بمجرد إرسال أوراق المشروع دون استيفائه للصلاحية الفنية التى تجعله صالحاً للمراجعة، فضلاً عن أن الأثر المشار إليه إنما يقوم على افتراض مسبق– غير مقبول –بتقصير مجلس الدولة فى أداء مهمته.
و بناء على ما تقدم، خلص القسم إلى حذف عبارة "خلال الثلاثين يوماً على الأكثر. وإذا لم يرد الرد خلال هذه المدة، لمجلس النواب أن يواصل باقى إجراءاته فى شأن إقرار المشروعات".، وعلى النحو المبين بالصيغة المرافقة.
المادة رقم(355):
رأى القسم حذف هذه المادة لما أحاط بها من شبهات جدية بعدم الدستورية للأسباب الآتية:
أولاً: تخرج الأحكام التى تناولتها هذه المادة عن المسائل المحجوزة للائحة المعروضة طبقاً لحكم المادة رقم (118) من الدستور وعلى نحو ما سلف بيانه بمستهل المراجعة.
ثانياً: أوجدت هذه المادة تمييزاً غير مُبرر فى المراكز القانونية التى تكونت فى ظل العمل بالقاعدة القانونية المقررة فى نص المادةرقم (11) من قانون مجلس النواب المشار إليه، التى نظمت الأحكام الخاصة بترشح بعض الفئات فقررت عدم قبول أوراق ترشحهم إلا بعد تقديم استقالاتهم من وظائفهم أو مناصبهم، ولم تجزعودتهم إلى عملهم السابق عند انتهاء مدة عضويتهم،الأمرالذى من شأنه الإخلال بقواعد تكافؤ الفرص والمنافسة بين المترشحين من هذه الفئات، بحسبان أن وجود هذا الحكم فى حينه بقانون مجلس النواب المشار إليه كان من شأنه اتاحة الفرصة للبعض من هذه الفئات للترشح لعضوية البرلمان ممن كانوا يخشون فقدان وظيفتهم بالاستقالة.
ثالثاً: أن من مقتضيات المصلحة العامة، وبخاصة إقرار الحرص على النأى بعضو البرلمان عن مباشرة مهام العضوية بعقل غير مستقر، إنما يقتضى فصم أى علاقة تربطه بأجهزة مستقلة أو رقابية، وبمؤسسات لها طبيعة مشابهة، وذلك درءًا للشبهات والبعد عن أى أقاويل تنال من استقلاله.
والقول بغير ذلك مؤداه احتمال أن يضحى عمل العضو السابق بالجهاز الرقابى أو بالهيئات المستقلة امتداداً لتلك الجهات داخل البرلمان.
المادة رقم(372):
استظهر القسم من استقراء حكم المادة رقم (109) من الدستور انصراف إرادة المشرع إلى تقرير حكم عام بأيلولة ملكية كافة ما يتلقاه عضو مجلس النواب من هدايا نقدية كانت أم عينية إلى الخزانة العامة للدولة، ومتى كان ذلك، وكان النص المعروض قد تضمن فى الفقرة الثانية منه حكماً يقضى باستثناء الهدايا النقدية أو العينية التى تقدم للعضو بسبب أو بمناسبة عضويته،إذا كانت مقدمة فى إطار المجاملات المعتادة التى يجرى العرف على تقديمها فى الأعياد والمناسبات إذا كانت لا تزيد قيمتها على ثلاثمائة جنيه أو التى تقدم من الزائرين أو المسئولين المصريين أو الأجانب.
مضوعات متعلقة..
- تأجيل الحكم فى الطعنين المطالبين بعدم حل مجلس النادى الأهلى لآخر الجلسة