فى قلب حى المكس بالإسكندرية حيث منطقة وادى القمر، لم يكن عمل المهندسة غادة شحاتة أمرا سهلا نظرا لطبيعته الشاقة، حيث تقف غادة داخل مشروعات إنشاء وحدات تكرير البترول وسط الرجال، مشهد لم يعتده العاملون فى هذا المجال الذى كان لم فيه وجود لتاء التأنيث منذ وقت قصير، لكن الوضع تغير مع وجود مهندسات ذات قدرة علمية وطاقة تنافسية.
طبيعة العمل القاسية كانت تمنعهن فبعد مواقع التشغيل عن المدن وقسوة الأعمال وطبيعتها الشاقة التى تتطلب فى معظم الأحيان الاستمرار فى العمل لأوقات متأخرة وتنفيذ مشروعات حتى منتصف الليل، كانت جزءًا من العقبات.
شغف غادة دفع كل العقبات وراء ظهرها، عندما أصبحت رقما مهما فى شركة الاسكندرية الوطنية للتكرير والبتروكيماويات إحدى شركات تشغيل وحدات إنتاجية فى مجال التكرير لإنتاج المواد البترولية" البنزين والبوتاجاز " المختلفة عالية الجودة لتغطية احتياجات السوق المحلى .
وتتابع المهندسة غادة شحاتة فى حديثها لـ" انفراد "، أنها لديها من الأبناء ولدين وبنت ، يرون أن والدتهم نموذج يحتذى به ، فالابن الأكبر يدرس فى السنة الأولى بكلية الهندسة.
وتحكى غادة شحاتة أنها دائما ما كان يواجهها السؤال من الأهل و الأصدقاء، وهو لماذا الإصرار على مجال تنفيذ المشروعات الشاق مع وجود مجالات هندسيه أخرى ذات طبيعة أهدأ و تليق بالسيدات؟، و لكن كان الشغف بالعمل فى المشروعات متملكًا تمامًا منها و تعشق رؤية العمل الذى بدأته منذ أن كان فكرة أصبح قائمًا على أرض الواقع، ودارت عجلة الإنتاج وخرج المنتج للنور.
هنا نتحدث عن مشروع إنتاج البنزين عالى الأوكتين "92 و95 " بشركة الإسكندرية الوطنية للتكرير والبتروكيماويات، حيث يساهم المشروع الجديد والذى تتولى وظيفة مدير المشروع فيه المهندسة غادة شحاتة فى زيادة إنتاج الدولة من البنزين عالى الأوكتين بمقدار 700 ألف طن سنويًا توجه بالكامل للاستهلاك المحلى، فى إطار تطبيق سياسة قطاع البترول المصرى لزيادة منتجات الدولة من المحروقات وخفض كميات الاستيراد.
وتكمل غادة شحاتة حديثها قائلة، إن اهتمامها بأمور عائلتها و ابناءها الثلاثة يتطلب مجهودا خارقا منها لكى يشعر ابناءها دائما بأنها تساندهم فى جميع أمورهم وواجباتهم المنزلية، حتى ينتهوا منها، ثم تختلى بنفسها والجميع نيام لاستكمال عملها، و مراجعة الرسائل الالكترونية، ووضع خطة لليوم التالى، منعًا لحدوث أى تأخير فى مشروع إنتاج البنزين الأوكتين "92 و95 ".
وتضيف بأن صعوبة المشروعات البترولية تكمن فى طول مدة التنفيذ لأنه يتضمن مراحل مختلفة منها مرحلة الحصول على رخصة من شركة عالمية يليها إصدار ما يعرف بالتصميمات الأساسية، يليها مرحلة أكثر تفصيلاً، وهى مرحلة التصميمات التفصيلية مع المقاول العام يتخللها إصدار أوامر التوريد للمعدات.
وتابعت غادة بأن هذه المراحل عبارة عن فترات عمل متواصلة وسهر كثير وسفر كثير خارج البلاد، لأن المسئولية كبيرة على مدير المشروع والفريق المنفذ لوضع الأساس الذى سينفذ عليه المشروع، والتأكد من الاشتراطات والمواصفات مع فريق عمل كبير متعدد التخصصات بما يحفظ حق الشركة مع الموردين، خاصة فى مشروع انتاج البنزين عالى الاوكتين نظرا لأن حجم استثماراته يصل إلى 219 مليون دولار .
و يلى ذلك مراحل التنفيذ و التركيبات داخل الموقع هى المرحلة الأكثر صعوبة، حيث تتضمن متابعات لصيقه للتأكد من التنفيذ طبقاً و البرامج الزمنى المحدده، و حل أَى مشكلات فور حدوثها بالتنسيق بين جميع الأطراف المنفذة، و كذا تطبيق أسس الأمن الصناعى، و تعليماته من الجميع، وكان لطبيعته المشروع و المساحة الضيقة الخاصة به تحدى خاصة سواء فى التصميمات حيث تم اللجوء لفلسفة التصميمات متعددة الطوابق، وكذا فى أعمال التركيبات خصوصًا مع وجود وحدات مصنعة بنظام سابقة التجهيز، كان أقلها وزنًا 140 طنًا، و يمثل ذلك تحديًا آخر خاصة من ناحية الأمن الصناعى واشتراطاته، قائلة: "وكان بفضل الله المشروع مميز فى تطبيق تلك الاشتراطات".
وتواصل المهندسة غادة حديثها، قائلة: "دائما ما يكون منصب مدير المشروع منصب يشغله رجل (منصب رجالى)".. وفى بداية إدارتها للمشروع، وكان هناك استغراب على الرغم من ادائها لأعمال فى مشروعات سابقة لكن كمدير سيدة هذا هو الجديد، وبعد فترة حدثت حالة من الاطمئنان من أن هذه السيدة قادرة على الأداء الجيد مثلها مثل الرجل بالضبط، متابعه: "خلال توالى الاجتماعات والمفاوضات والمواقف الكل استوعب الفكرة".
وتوضح "شحاتة" أن على مدير المشروع مسئولية كبيرة للإلمام بكل ذلك والتأكد من التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، وحضور كافة الاجتماعات وحل أى مشكلة وجدت بين أى طرف من الأطراف، قائلة: "مهما كان المطلوب لازم المسئوليات تنفذ فى التوقيتات المحددة لها، لأن التأخير فى مثل تلك المشروعات تعنى خسارة سواء مباشرة بتأخير المنتج، أو غير مباشر بزيادة المصروفات".
ومع بداية أعمال التركيبات والإنشاءات فى الموقع ، تقول المهندسة غادة شحاتة أن قدرتها كمديرة للمشروع بدأت تظهر من خلال القدرة على حل المشكلات وقتياً والالتزام بالبرنامج الزمنى والتواجد المستمر بين العاملين و كانت سعادتها بإنهاء أى مشكله تطرأ و بلجوء جميع الأطراف لها و ثقتهم الغالية بها فى أى موقف، لافته إلى أن تشجيع القيادات هو العامل الأهم لأى سيدة فى مجال عملها لا يمكن تتقدم وترتفع إلا لو فيه دعم من رؤسائها.
وأكدت أن المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية،كان متابعًا لعملها طوال فترة المشروع، وذلك لجميع الأنشطة وكان يستمع للعروض التقديمية ويحرص على زيارة الموقع ومتابعة التطور بشكل دائم، وكان لذلك بالغ الأثر فى زيادة ثقتها بنفسها و تشجيعها و فريق العمل من شركة الاسكندرية الوطنية للتكرير والبتروكيماويات وشركتى أنبى و بتروجيت حتى تم الانتهاء من تشغيل المشروع فى سبتمبر 2018 بدلاً من نوفمبر 2018.
وتختتم المهندسة غادة شحاتة حديثها قائلة أن المشروعات البترولية ذات طبيعة خاصة ودرجة صعوبة لتضمنها مجالات هندسية متعددة مثل المدنية، الميكانيكية، وتركيب المعدات، والتحكم الآلى، والكهرباء، فضلا عن الأمن الصناعى، متمنية التوفيق لكل مديرين وفرق مشروعات قطاع البترول المصرى التى يجرى العمل فيها على قدم و ساق.