قررت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، برئاسة الإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب ،شيخ الأزهر، تشكيل لجنة من فقهاء المذاهب الأربعة، بالإضافة إلى الاستعانة بمتخصصين فى الحديث والتفسير والتاريخ والقضاة ، للوصول إلى قرار نهائى بشأن قضية الطلاق الشفوى، وعرض ما سيصدر عن تلك اللجنة على اجتماع هيئة كبار العلماء فى جلستها القادمة لمناقشته ومن ثم اتخاذ القرار النهائى.
جاء ذلك بعد مناقشات فى 3 جلسات لهيئة كبار العلماء بالأزهر ، حيث أخذت قضية وقوع الطلاق الشفوى، حيزاً كبيراً من نقاشات الهيئة، وأعلنت الهيئة فى الجلسة الأولى أن الأغلبية ذهبت إلى وقوع الطلاق الشفوى مع إثباته بالوثائق حفظا للحقوق، وتلى ذلك جلستين انتهت بتشكيل اللجنة.
وأكد الدكتور عبد الفتاح العوارى ،عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، فى تصريحات لـ"انفراد"، أن هذا الكلام لم يقل به أحد من الفقهاء قاطبة لأن الطلاق زمن الفقهاء لم يكن له ما يسمى بالتوثيق، ولا قسيمة زواج و لا طلاق ولا "كلام فاضى ده كلام طرأ مؤخرا "، موضحا أن المشرع المصرى وضعه كقانون عند خراب الذمم عندما انتشرت ظاهرة إنكار الأولاد وعدم الاعتراف بالزواج حين دب الخلاف ووقوع النزاع المشرع المصرى، ورأى تقنين هذا الأمر من أجل إثبات حقوق الزوجة.
وتساءل العوارى:"هل يعقل أن كل واحد من الناس إذا اختلف مع زوجته ينصب مجلس طلاق، ويأتى بالمأذون، ويأتى بالشهود يقول لهم أشهدكم أنى طلقت زوجتى ، كيف يكون هذا ؟ هذا نوع من الترف ما ينبغى أن يلتفت إليه، والطلاق لا يتأتى إلا عند وقوع النزاع ووقوع النزاع قد يقع بين الرجل وزوجته داخل غرفة النوم فلست أدرى على أى اساس بنى هذا الوهم وكلامه لم يقل به فقيه من الفقهاء".
من جانبه قال الدكتور عبد المنعم فؤاد ،عميد كلية العلوم الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه لا يصح أخذ الفتوى الفردية فى هذا العصر ولابد من الفتوى الجماعية، مضيفا:"نحن نريد الفتوى التى تعتمد على العقل الجمعى من المتخصصين، أما فتوى الفرد يجب أن تتوقف الآن نحن فى مجتمع متغير كل يوم ، لابد أن يأخذ رأى المؤسسات العلمية كل فى تخصصه أما أن يخرج شخص بفتوى معينة قد يكون يعتمد على رأى ما ولكن يكفينا اننا نجتمع على فتوى جماعية" لا تجتمع امتى على ضلالة" وهيئة كبار العلماء ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية والفتوى بالأزهر هى التى يعتمد عليها".
وردا على ذلك وتوضيح لرأيه ، أوضح الدكتور سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، لـ"انفراد"، أنه أصدر كتابا عن الطلاق الشفوى، وقال إن الزوجين قد استدعيا مندوب الدولة باختيارهما، وتوجهت إرادتهما إلى توثيق العصمة رسميًا بما يجعلهما على بينة من أمرهما، وأن الزوجة فى ظل هذا التوثيق لا تملك فى القضاء الشرعى أمر نفسها ولا تبدأ عدة الطلاق إلا من يوم تحرير طلاقها رسميًا، كما أن الزوج لا يملك فى القضاء الشرعى الزواج بخامسة وعلى ذمته رسميًا أربع نسوة حتى ولو زعم طلاقهن شفويًا، وكأن الزوج بتوثيقه لعقد زواجه رسميًا قد اشترط على نفسه أن لا يحدث طلاقًا شرعيًا إلا بالتوثيق الرسمى مما يجعل طلاقه الشفوى لغوًا .
وأكد "الهلالى" أنه تقدم فى كتابه بمقترح للشعب المصرى، باستصدار تعديل على قانون الأحوال الشخصية المصرى، ويثبت فى وثائق الزواج الرسمية ليعلمه الزوجان عند إبرام عقد زواجهما، وينص فيه على أنه: "لا يعتبر طلاقًا شرعيًا للمتزوجين بوثائق رسمية إلا ما يتم بالتوثيق الرسمي".
وأشار إلى أن الناس قديمًا قبل الأول من أغسطس سنة 1931م، كانوا يبرمون عقد الزواج شفويًا، فكان المنطق الطبيعى أن يتم حل هذا الرباط بلفظ الطلاق الشفوى على وضع معتبر، أما بعد توثيق الناس لعقود زواجهم رسميًا فإن طلاقهم يجب أن لا يتم إلا بالتوثيق الرسمى لأنه السبيل الوحيد لحل رباط الزوجية الرسمى.
وأضاف:" مع هذا الوضوح الفقهى فى عدم الاعتداد بالطلاق الشفوى للمتزوجين رسميًا، إلا أن أوصياء الدين يشاغبون بتشكيك عامة الناس فى عقولهم السوية، وفى منطقهم السليم وفى قلوبهم المؤمنة بإيهامهم أن الطلاق الشفوى كان هو المعوّل عليه فى حل رباط الزوجية منذ عهد النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، متجاهلين أن الزواج كان كذلك شفويًا".
وأوضح أن الإنسان اختار الانتفاع بحضارة عصره من توثيق الزواج الذى يضبط العلائق فى المجتمع ويضمن حقوق الأطراف ذات العلاقة عملًا بقوله تعالى: "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمىً فاكتبوه" (البقرة:282)، فكان المنطق الطبيعى أن يتبع الطلاق نظام الزواج، فالزواج الشفوى يكون الطلاق فيه شفويًا، والزواج الرسمى يكون الطلاق فيه رسميًا.
وكشف الهلالى، عن أن الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الجامع الأزهر الراحل، كان قد تقدم بمذكرة علمية إلى مجمع البحوث الإسلامية آملًا صدور قراره بعدم احتساب الطلاق الشفوى للمتزوجين رسميًا، إلا أن صوت الأوصياء كان هو الأقوى، حيث أكد الشيخ سيد العراقى المدير العام السابق لإدارة البحوث والتأليف والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن قضية الإشهاد على الطلاق وتوثيقه كان أول من أثارها الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر السابق، لكن اقتراحه قوبل باعتراض شديد من العلماء خاصة من الشيخ محمد خاطر مفتى الديار المصرية فى ذلك الوقت، رغم أن الشيخ جاد الحق عرض الاقتراح بطريقة جيدة، وقال: "إن بعض الناس يحلفون بالطلاق بصورة روتينية فى كل كبيرة وصغيرة، وإذا قلنا بوقوع مثل هذا الطلاق فإننا سوف نطلق الكثير من السيدات ويتم تفكيك آلاف الأسر وتشريد الأبناء، وربما لا يكون الأزواج يقصدون إيقاع الطلاق، وإنما يريدون الحلف فقط لتأكيد كلامهم ونحو ذلك".
وأضاف أن شيخ الأزهر السابق (الشيخ جاد الحق) طلب أن يكون الطلاق مثل الزواج لا يتم إلا بحضور شاهدين وبوثيقة رسمية. واستند فى كلامه إلى الكثير من الأدلة الشرعية، وأوضح أن ذهاب الزوجين إلى المأذون لايقاع الطلاق وإحضار الشهود يؤكد رغبتهما الحقيقية فى ايقاع الطلاق. أما أن يحلف الزوج بالطلاق فى بيع أو شراء، أو مشاجرة أو جدال فهذا ينبغى ألا نلتفت إليه، لكن إذا رغب الزوجان فى إيقاع الطلاق فعليهما الذهاب إلى المأذون، ولو قررا التراجع عن الطلاق قبل الوصول إلى المأذون فلهما الحق فى ذلك.
وأشار إلى قول الشيخ العراقى أن علماء مجمع البحوث الإسلامية رفضوا اقتراح الشيخ جاد الحق وتمسكوا برأيهم، وقالوا إن هذا الكلام يخالف الحرية الشخصية للمرأة والرجل، ويخالف الاجتهاد. وتم حذف هذا الاقتراح من مضبطة المجمع، مؤكدًا أن هذه القضية تحتاج إلى جرأة وشجاعة من العلماء لتنفيذ هذا الاقتراح، وكذلك إقناع العلماء الذين يرون أن قصر وقوع الطلاق على الإشهاد والتوثيق على يد المأذون فيه حجر على حرية الإنسان خاصة المرأة".