أكد المستشار أحمد جمال الدين عبد اللطيف، رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى أن القضاء هو حصن العدالة وملاذ المظلومين.
وشدد - فى الكلمة التى ألقاها خلال الاحتفال بعيد القضاء، والتى شهدها الرئيس عبد الفتاح السيسى، اليوم، السبت، على أن القضاة يؤدون رسالتهم فى منظومة متكاملة للعدالة فى المحاكم ومجلس الدولة وفى المحكمة الدستورية وهيئتى قضايا الدولة والنيابة الإدارية، بعيدا عن السياسة بما لها وما عليها، مشيرا إلى أن القاضى الحق هو من ينأى بنفسه عن السياسة ويترفع عن الإعلام، فهو من لايعرفه أحد، حتى المتقاضى لا يعرف عنه إلا أنه القاضى.
وأوضح - موجها حديثة للرئيس - أن القضاة يعملون فى إطار نظام قضائى راسخ حافل وغنى بالضمانات التى تكفل سلامة وعدالة أحكامه وتؤكد شموخه.
وقال أن تسبيب الأحكام من أعظم الضمانات التى فرضها القانون على القضاة إذ هو مظهر قيامهم، بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التى يعلنونها فيما يفصلون فيه من الأقضية، وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم والاستبداد.
فيما يلى نص كلمة المستشار أحمد جمال الدين عبد اللطيف رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى:-
"بسم الله الرحمن الرحيم
(رب أشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى )
"صدق الله العظيم"
باسم الشعب
سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية
السادة الضيوف الكرام الأعزاء..
قضاة مصر الأجلاء
أهلا بحضراتكم جميعا
أهلا بك يا سيادة الرئيس فى دار القضاء العالى، دارى ودارك ودار المصريين جميعا، التى أستقر فى وجدان الشعب وضمير الأمة أنها حصن العدالة وملاذ المظلومين.
ولعلك يا سيادة الرئيس تتذكر، مثلما أتذكر، بل من المؤكد أنك تتذكر عندما كنت تأتى فى مرحلتى الصبا والشباب من القاهرة الفاطمية إلى القاهرة الخديوية فترى من بعيد دار القضاء العالى، لا تدخل إليها، ولا حتى تفكر فى الدخول إليها، ولكنك كنت إذ تراها تعلو قامتك وترتفع هامتك ويتعمق لديك الإحساس بوطنيتك والفخر والزهو بمصريتك، ويتجلى الشعور الكامن فى وجدانك بأن فى مصر قضاء.
سيادة الرئيس.. السادة الحضور
عندما أتكلم عن دار القضاء العالى فإن حديثى غير مقصور على الحجر والأثر، بل أنه ينصب أساسا على البشر، وهم قضاة مصر الأجلاء الذين يقولون فى الناس كلمة الحق لاتضعفهم رغبة أو رهبة، لأنهم ينشدون العدل صفة من صفات الله العظمى.
وعندما أتكلم عن قضاة مصر لايقتصر حديثى على من شرفت بحضورهم اليوم، فلقد حال ضيق مساحة هذه القاعة دون حضور باقى القضاة الذين يؤدون رسالتهم فى منظومة متكاملة للعدالة فى محاكمنا ومجلس الدولة وفى المحكمة الدستورية وهيئتى قضايا الدولة والنيابة الإدارية بعيدا عن السياسة بما لها وما عليها. القاضى الحق ياسيادة الرئيس هو من ينأى بنفسه عن السياسة ويترفع عن الإعلام، القاضى الحق هو من لايعرفه أحد، حتى المتقاضى لا يعرف عنه إلا أنه القاضى.
واطمئنك ياسيادة الرئيس، وأرجو أن تطمئن المصريين جميعا أن قضاتهم يعملون فى إطار نظام قضائى راسخ حافل وغنى بالضمانات التى تكفل سلامة وعدالة أحكامه وتؤكد شموخه.
إن تسبيب الأحكام - ياسيادة الرئيس - من أعظم الضمانات التى فرضها القانون على القضاة إذ هو مظهر قيامهم، بما عليهم من واجب تدقيق البحث وإمعان النظر لتعرف الحقيقة التى يعلنونها فيما يفصلون فيه من الأقضية، وبه وحده يسلمون من مظنة التحكم والإستبداد.
سيادة الرئيس..
إذا أردت أن تعرف قاضيا فاقرأ أسبابه، إذ لا محل لمعرفة القاضى إلا من خلال عمله القضائى المعلن، فهو -وحده- الذى يشهد له أوعليه، أما القاضى الذى يظهر بصفته قصدا فى المحافل العامة، وقد يصفق له العامة، فهو الأردأ، ومآله حتما أن يلفظه القضاء.
وإذا كان القضاة - ياسيادة الرئيس - بشرا قد يخطئون، فإن منظومة الطعن فى أحكامهم كفيلة بتصحيح جل أخطائهم.
وإذا كان الدستور وقانون السلطة القضائية قد كفلا استقلال القضاء، فمن المؤكد - كما تقول المذكرة الإيضاحية لأول قانون لإستقلال القضاء الصادر سنة 1943، خير ضمانات القاضى هى تلك التى يستمدها من قراره نفسه، وخير حصن يلجأ إليه هو ضميره، فقبل أن تفتش عن ضمانات للقاضى فتش عن الرجل تحت وسام الدولة، فلن يصنع الوسام منه قاضيا أن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضى وعزة القاضى وكرامة القاضى وغضبة القاضى لسلطانه وإستقلاله هذه الحصانة الذاتية هذه العصمة النفسية - كما تقول المذكرة الإيضاحية - هى أساس استقلال القضاء لا تخلقها نصوص ولا تعززها قوانين، إنما تقرر القوانين الضمانات التى تؤكد هذا الحق وتعززه وتسد كل ثغرة قد ينفذ منها السؤ إلى إستقلال القضاء.
سيادة الرئيس.. السادة الحضور
ربما يكون من المناسب فى هذا السياق أن نتذكر معا الرئيس الفرنسى الجنرال شارل ديجول عندما عاد إلى باريس بعد الحرب العالمية الثانية، وسأل عن أحوال بلاده فأجابوه سلبا. فسأل عن القضاء الفرنسى فأخبروه أنه بخير، فقال إذا فرنسا بخير.
وأنا اليوم اطمئنك ياسيادة الرئيس أن القضاء فى بلادنا والحمدلله لازال وسيظل بأذن الله بخير، وأرجوك أن تطمئن المصريين جميعا وأن تقول لهم وللعالم كله القضاء المصرى بخير إذا مصر بخير.
هذا عن القضاء والقضاه، أما عن المتقاضين ونحن - فى المحاكم - لا نعرف أسماءهم، بل نعرفهم بصفاتهم، فنقول المدعى والمدعى عليه، المتهم والمجنى عليه، الطاعن والمطعون ضده، وهم ليسوا جميعا - كما قد يحسب البعض من الأشرار - بل أن أغلبهم من الأخيار الذين ظلموا وسلبت حقوقهم، فتشوقوا للعدل ولاذوا بمحرابه، وأنصافهم هو هدف النظام القضائى وغايته.
ولكننى فى هذا المقام - ياسيادة الرئيس - أجد من واجبى أن أقرر أن اللدد فى الخصومات من أشد المشكلات التى يواجهها القضاء، ولقد كنت فى السابق أجد من يتباهى بأنه وأفراد أسرته لم يدخل أحدهم محكمة أو قسما للشرطة، ولكننى الآن - مع الأسف الشديد - أجد من يتباهى بكثرة دعاويه، وبتردده الدائم على المحاكم ودور النيابة وأقسام الشرطة، بل ويزهو باللدد فى خصوماته.
ومن ثم فأننى أرجوك ياسيادة الرئيس أن تتبنى الدعوة للسماحة فى الاقتضاء والكف عن اللدد فى الخصومات.
ولنذكر، معا، حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "رحم الله إمرءا سمحا إذا باع وإذا أشترى وإذا قضى وإذا اقتضى".
ومن المعروف أن الرسول الكريم وقد كان أول قاضى فى الإسلام، عندما عرضت عليه قضية استحكم فيها النزاع، قال عليه الصلاة والسلام للمتقاضين: " إنما أنا بشر مثلكم، ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشئ من حق أخيه ظلما فلا يأخذه، لأنه بذلك يقتطع قطعة من جهنم يضعها فى جوفه يوم القيامة".
سيادة الرئيس.. السادة الحضور
عندما أرسل أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه يطلب أموالا لتحصين مدينته، أجابه "حصنها بالعدل"، فلتكن هذه الكلمة دستورا لنا جميعا، ولنتكاتف معا لنحصن بلادنا بالعدل، وليكن كل منا عادلا فى موقعه.
وليرع كل منا الله فى عمله وفى سائر أمور حياته، وقديما قالوا لو أنصف الناس لإستراح القاضى، ولتأذن لى ياسيادة الرئيس أن أقول - لو جاز لى ذلك - لو أنصف الناس لاستراح الحاكم، وأن أكرر وأردد ما قلته سيادتكم من قبل: ليحب بعضنا بعضا، وليحترم بعضنا بعضا، وليسع بعضنا بعضا.
سيادة الرئيس.. السادة الحضور
ليكن الوطن محلا للسعادة المشتركة بين المصريين جميعا، وإذا كان اليوم أفضل من الأمس القريب فإن الغد أن شاء الله سيكون أفضل من اليوم، وإلى لقاء قادم بإذن الله، ومصر أكثر محبة ووئاما، أكثر عدلا واستقرارا، ومصر أكثر أمنا وأمانا، أكثر رفاهية ورخاء وإزدهارا.
شكرا سيادة الرئيس..
شكرا لحضراتكم جميعا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،