أكدت دار الإفتاء المصرية أن خروج الناس فى زمن الوباء فى مسيرات جماعية للدعاء الجماعى والتضرع برفع الوباء بما يكون مظلة لزيادة تفشى المرض، يعد من المنكرات المحرمات، والبدع فى الدين.
وأوضحت الدار فى أحدث فتاويها أنه مما يُستأنس به فى منع اجتماع الناس وقت الأمراض والأوبئة: ما أخرجه الإمام أحمد فى مُسنده، والطبرى فى تاريخه، ومُحَصَّلُه: أنه لَمَّا وقع الطاعون؛ طاعون عمواس، فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأرض الشام، وكان أميرُها وقتئذٍ أمين الأمة أبا عبيدة بن الجراح، فطُعِنَ -أي: أُصيب بالطاعون- فمات رضى الله عنه، واسْتُخْلِفَ على الناس معاذ بن جبل، فطُعِنَ، فلمَّا مات اسْتُخْلِفَ على الناس عمرو بن العاص رضى الله عنهم أجمعين، فقام فى الناس خطيبًا، فقال: «أيها الناس أن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فَتَجَبَّلُوا منه فى الجبال».. ثم خرج وخرج الناس فَتَفَرَّقُوا عنه ودفعه الله عنهم. قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأى عمرو فوالله ما كرهه.
وأضافت الدار أن الحافظ ابن حجر العسقلانى تكلم فى كتابه "بذل الماعون فى فضل الطاعون" عن الاجتماع للدعاء فى وقت الطاعون من أجل رفعه، فقال [ص328، 329، ط. دار العاصمة بالرياض]: "وأما الاجتماع له كما فى الاستسقاء؛ فبدعة حدثت فى الطاعون الكبير بدمشق سنة تسع وأربعين وسبع مائة، فقرأت جزء المنبجى بعد إنكاره على من جمع الناس فى موضع، فصاروا يدعون ويصرخون صراخًا عاليًا.. فذكر أن الناس خرجوا إلى الصحراء ومعظم أكابر البلد فدعوا واستغاثوا، فعظُم الطاعونُ بعد ذلك، وكَثُرَ، وكان قبل دعائهم أخفُّ!.
وأضافت الدار أن الحافظ ابن حجر العسقلانى قال: "ووقع هذا فى زماننا، حين وقع أوَّلُ الطاعونِ بالقاهرة فى السابع والعشرين من شهر ربيع الآخَر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فكان عددُ من يموتُ بها دون الأربعين، فخرجوا إلى الصحراء فى الرابع من جمادى الأولى، بعد أن نُودى فيهم بصيام ثلاثة أيام، كما فى الاستسقاء، واجتمعوا، ودعوا، وأقاموا ساعةً، ثم رجعوا، فما انسلخ الشهر حتى صار عددُ من يموت فى كل يومٍ بالقاهرة فوق الألف، ثم تزايد". ا.هـ بتصرف يسير.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن للدعاء منزلة عظيمة فى الإسلام، وهو من أفضل العبادات؛ وذلك لِما فيه من التضرع والتذلل والافتقار إلى الله تعالى؛ لذا أوصانا الله تعالى بالحرص على الدعاء، وحثَّنا عليه فى محكم آياته؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
ومن الآيات التى فيها حثٌّ على الدعاء فى أوقات الضيق والاضطرار: قوله سبحانه: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾[النمل: 62].
وقالت الدار أن السنة المشرفة قد بيَّنت فضل الدُّعاء؛ ففى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى وغيره عن النعمان بن بشيرٍ رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعاء هو العبادة»، ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ أن الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: 60].
وروى الترمذى فى سننه وحسَّنه، عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيءٌ أكرمَ على الله تعالى من الدُّعاء».
وأوضحت الدار أن الدعاء من جملة أسباب صرف غضب الله تعالى؛ فقد روى الترمذى فى سننه وحسَّنه، عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لم يسأَلِ اللهَ، يغضَبْ عليه»؛ لأن تركَ السؤال تكبرٌ واستغناءٌ، وهذا لا يجوز للعبد، ولما روى عن أبى داود فى سننه عن سلمان الفارسى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربَّكم تبارك وتعالى حيى كريمٌ، يستحيى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صِفرًا»؛ أي: خاليتين.
بل جاء أن الدعاء يرد القضاء؛ وذلك فيما رواه الترمذى عن سلمان رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِى العُمْرِ إِلَّا البِرُّ».
ونبهت دار الإفتاء على أن للدعاء آدابًا لا بد من مراعاتها حتى يقع على مراد الله تعالى، ومن غير أن تتحكم فيه الأهواء، ومن هذه الآداب -بل من أهمها: عدم الاعتداء فيه؛ وقد نهى الله تعالى عن ذلك فى القرآن الكريم حيث قال: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[الأعراف: 55].
وقالت الدار: "فإذا انضاف إلى رفع الصوت والصياح فى الدعاء؛ اجتماع الناس فى أوقات الوباء ومخافة انتشار العدوى وتفشى المرض، كان ذلك أشد فى المنع؛ إذ المقرر شرعًا أنه "لا ضرر ولا ضرار"، واجتماع الناس على هذه الهيئة وغيرها مظنة انتقال العدوى، ومن ثَمَّ فهو ممنوع شرعًا".