قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن الإسلام عنى بالحقوق المالية عناية خاصة، حيث يقول الحق سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أن اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا " (النساء: 29)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة" (صحيح البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم) : "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امرئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ الله لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ" فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئا يَسِيرًا، يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبا مِنْ أَرَاكٍ " (صحيح مسلم).
وتابع جمعة فى كتابه "حديث الروح":"ومن الحقوق التى عنى بها الإسلام عناية كبيرة , وأفرد لها القرآن الكريم سورة خاصة حقوق الكيل والميزان، وذلك فى سورة "المطففين" حيث يحذرنا الحق سبحانه وتعالى فيها أيما تحذير من تطفيف الكيل والميزان، فيقول سبحانه: "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"(المطففين: 1-6).
واستطرد وزير الأوقاف:"ودارت قصة سيدنا شعيب عليه السلام فى مجملها حول قضية الوفاء بالكيل والميزان، وعدم بخس الناس حقوقهم، حيث يقول الحق سبحانه: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ* وَيا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ* بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ أن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ" (هود: 84-86) ".
ومن الوصايا العشر فى سورة الأنعام التى قال عنها سيدنا عبد الله بن عباس (رضى الله عنهما) : إنها آيات محكمات , لم تنسخ فى أى ملة من الملل , أو شريعة من الشرائع الوفاء بالكيل والميزان، حيث يقول الحق سبحانه: "وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الأنعام: 152).
وتابع جمعة:"ويقول سبحانه: "أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ " (الشعراء: 181-183)، وهو من أدق الموازين وأعدلها، فالعاقل من يزن بالحق والعدل قبل ألا يكون درهم ولا دينار إنما يكون القصاص من حسنات وسيئات، حيث يقول نبينا: " مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أو مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، أن كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ" (صحيح البخاري).
واختتم وزير الأوقاف:"وقد حضرت أحد الناس الوفاة وكان صاحبه يحدثه فى أمور الدنيا فيتحدث، فإذا استنطقه الشهادتين لم ينطق، فقال ما بك: فهمس فى أذنه: لسان الميزان حبس لسانى عن الشهادتين، أى أن تطفيفه الكيل والميزان هو ما حال دون نطقه الشهادتين، وقد قالوا: ويل لمن باع جنة عرضها السماوات والأرض بحبة أو حبتين، وأخطر منه التطفيف المعنوى غشًا أو احتكارًا أو استغلالا لقضاء حوائج الناس، ولا سيما فى أوقات الشدائد والأزمات، فإذا كان الاحتكار والاستغلال مذمومين على كل حال، فإنهما فى أوقات الشدائد والأزمات أكبر إثمًا وأشد جرمًا".