أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن الصوم ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب والجماع من أذان الفجر إلى أذان المغرب فحسب، بل هو تربية إيمانية، وأخلاقية ، وسلوكية ، وإنسانية ؛ لأن من أهم معاني الصوم المراقبة، يقول الله (عز وجل): "يَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"، قال أهل العلم: التقوى هي: الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ، وقال بعضهم: إنما سمي المتقون بالمتقين ، لأنهم اتقوا ما لا يتقى ، وقال بعضهم: لأنهم يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة من الحرام.
وتابع جمعة خلال الحلقة التاسعة من برنامج "رؤية" بعنوان: "الصوم": "هذا ما نبهنا إليه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ ، وعِرْضِهِ ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ" .
وأضاف جمعة: "الصائم بحق هو : من أمسك نفسه عن الطعام والشراب لا يعلم سره إلا الله ، ولا يطلع على ذلك إلا الله ، لا يمكن لعاقل أن يفكر بعد ذلك أن يغضب الله الذي عمل على مراقبته ، وخوفه ، والإمساك عن الطعام ، والشراب اتقاء له ، ومرضاة له من الفجر إلى المغرب ، ثم يفطر على مال حرام يقول سبحانه وتعالى :"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا" ، فأكل الحرام بمثابة قتل للنفس يقول الله (عز وجل) : "َومَن يَفْعَلْ ذَِلكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم ): "إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ" ، وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : "لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ" ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "كُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مَنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"، أي: عودا من سواك ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه ، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ" ، وذكر النبي (صلى الله عليه وسلم): "الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له؟" ، فإذا خرج الإنسان حاجًا أو معتمرًا ملبيًا يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك اللهم لبيك بلسانه ، لأن القلب المؤمن لا يأكل حرامًا أبدًا ، قيل له: لا لبيك ولا سعديك حج مردود عليك عمرتك مردودة عليك ، مالك حرام ، ومطعمك حرام ، وملبسك حرام ، فأنى يستجاب لك ، فإذا رفع يديه إلى السماء يدعوا ربه ردت دعوته إليه ، وقد سأل سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال: "يا رسولَ اللهِ ، ادعُ اللهَ أنْ يجعَلَني مُستَجابَ الدَّعوةِ ، فقال النبيُّ (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): فلم يقل له عليك بكثرة الصلاة ، ولا قيام الليل ، ولا قراءة القرآن ، ولا الزكاة وإنما قال: "أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ" ، أكل الحلال بركة في جسدك ، بركة في مالك ، بركة في أبنائك ، أما الحرام الذي تجمعه ، وتظن أنك تكثر مالك به ، فيقول الشاعر :
جمع الحرام على الحلال ليكثره
دخل الحرام على الحلال فبعثره
وأضاف وزير الأوقاف: "يقول (عز وجل) : "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" ؛ فالمال الحرام سم قاتل ، ويكفي قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "كُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مَنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" ، ويقول النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "قَالَ اللَّهُ (تَعَالَى): ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ" ، من يجور على المسكين والفقير والعامل الصغير فيقتطع شيئًا من حقه ، أو لا يوفه أجره فهو خصيم لله يوم القيامة يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "قَالَ اللَّهُ (عز وجل) : "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ..." ، منهم رجلًا استأجر أجيرًا ، أو عاملًا أو صانعًا أو أجيرًا أو زارعًا أو مهنيًا ، ثم جار على حقه فلم يعطه حقه ، هذا خصم لله (عزو جل) لا تستضعف الضعيف يقول الشاعر:
لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِراً
فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ
واختتم وزير الأوقاف: "يرفع الله دعوة المظلوم فوق الغمام ، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ، فإذا دعتك قدرتك وجبروتك على ظلم الضعفاء والمساكين والعمال والأجراء ، فتذكر من أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون ، بعض الناس يقول: الحمد لله أنا لا آكل الحرام ، نقول: من أشد أنواع الحرام الاحتكار ، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "المحتكر ملعون" ، من يحتكر السلع ليرفعها على الفقراء والمساكين والمحتاجين أو حتى على عامة الناس ليتاجر في أقوات الناس أو ليغالي بها ، المحتكر ملعون ، ولا يحتكر إلا خاطئ ، والاستغلال إثم كبير ، ولا سيما استغلال الأزمات والنكبات والظروف الصعبة ، من أشد أنواع الحرام أن يبالغ الإنسان في استغلال حوائج المحتاجين ، ولا سيما إذا كان استغلالًا في الأقوات أو الدواء أو أساسيات ما يحتاجه الناس بل على العكس من ذلك ، نقول: من قلل هامش ربحه ولا سيما وقت الأزمات تخفيفًا على الناس فهو له صدقة ، فالغش ، والاستغلال ، والاحتكار كل هذه أدواء خطيرة مدمرة لمن يأكل بها المال الحرام ، نسأل الله (عز وجل) أن يغنينا بحلاله عن حرامه ، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ، وصل اللهم وسلم وزد وبارك على حبيبنا معلم الخير سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه".