جولة خارجية وصفت "بالتاريخية" و"الأولى من نوعها"، قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أفريقيا شملت كل من أنجولا وزامبيا وموزمبيق؛ عكست توجه القيادة السياسية نحو دول الجنوب وإصرارها على تعميق العلاقات والتعاون مع كافة بلاد القارة، فضلًا عن المشاركة في أعمال القمة الثانية والعشرين للسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي "كوميسا" وتسليم الرئاسة الدورية لزامبيا.
وأجمع دبلوماسيون سابقون، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم السبت، أن مصر تولي اهتمامًا وأولوية غير مسبوقة لكافة الدول الأفريقية في سياستها الخارجية، ونجحت في تحقيق التقارب مع مختلف بلدان القارة خلال السنوات الأخيرة، وتمضي في طريق تحقيق التنمية الاقتصادية بالتعاون مع الدول الأفريقية .
السفير على الحفني، نائب وزير الخارجية الأسبق، أكد أن المحور الأفريقي أصبح من أهم محاور السياسة الخارجية المصرية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم.
وقال إن رئيس الجمهورية عاد من جولته حاملًا الكثير من النتائج الإيجابية، ولعل أهمها إدراك الدول الأفريقية حرص مصر الكبير على تعزيز العلاقات معهم وأهمية التواصل المستمر والتنسيق في القضايا الإقليمية ، مذكرًا بأن الرئيس السيسي يحرص على التوجه إلى كافة أنحاء القارة شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا.
وأضاف أن مصر تربطها علاقات وثيقة مع الدول الأفريقية منذ قديم الأزل إلا أنها شهدت دفعة قوية خلال السنوات الأخيرة بعد أن أعطت مصر أولوية لتحقيق الأمن والتنمية بالقارة و تقديم كل ما تستطيع من أجل رفع مستوى المعيشة و تحقيق تطلعات الشعوب الأفريقية .
وتابع السفير الحفني أن الدول الأفريقية ترى نجاح مصر في اختبار التنمية المستدامة وسعيها لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التابعة للأمم المتحدة، منوهًا بأن الرئيس السيسي مدرك أهمية عنصر الوقت وضرورة التعجيل بخطوات تحقيق التنمية المستدامة.
وأشار إلى أن كل من أنجولا وموزمبيق وزامبيا في حاجة للعمل مع مصر والاستفادة من خبراتها في العديد من الملفات، موضحًا أن موزمبيق تعاني من الإرهاب وتسعى للاستفادة من خبرة مصر في هذا المجال، بينما تأمل أنجولا في نقل التجربة المصرية في الزراعة والصناعة والبنية التحتية ، وترغب كذلك في مشاركة قطاع الأعمال المصري في التنمية.
وشدد نائب وزير الخارجية الأسبق على أهمية حضور الرئيس السيسي لقمة لوساكا و تسليم الرئيس الزامبي هاكيندي هيتشيليما رئاسة "الكوميسا" بعد ترأس مصر لهذا التجمع لمدة عامين وسط ظروف صعبة مرت بها أفريقيا إلا أنها لم تمنع مصر من العمل على تعزيز التجارة البينية بين الدول الأعضاء، مبرزًا كذلك الدور المهم لمصر في الدفع والتعجيل لتنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة التي ستحقق اندماج كبير لدول القارة.
من جانبه، قال السفير أحمد حجاج، الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، أن توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي نحو دول جنوب القارة الأفريقية دليل على الاهتمام بمناطق تركيز أخرى في السياسة الخارجية المصرية.
وذكر بأن الرئيس السيسي يعد أول رئيس جمهورية مصري يزور منطقة الجنوب الأفريقي، قائلًا :"الزعيم الراحل جمال عبد الناصر هو الوحيد الذي شارك في مؤتمر القمة لمنظمة الوحدة الأفريقية بزامبيا و فيما عدا ذلك لم يقم أي رئيس مصري بزيارة هذه الدول".
وأوضح حجاج أن جولة رئيس الجمهورية بأفريقيا ستوطد علاقات مصر بكل من أنجولا وزامبيا وموزمبيق، مشيرًا إلى أن رؤساء تلك الدول قد قاموا من قبل بزيارة القاهرة.
وتابع أن الرئيس السيسي يسعى إلى دفع التعاون والعلاقات الثنائية مع تلك الدول التي تحتاج لتجربة مصر في عدد من الملفات وعلى رأسها محاربة الإرهاب، خاصة أن موزمبيق تتعرض لعمليات إرهابية، بينما تمتلك زامبيا أكبر منجم نحاس بأفريقيا وهو مهم للصناعات الكهربائية، مشددًا على أن مصر تقدر الإمكانيات الضخمة المتواجدة داخل هذه البلدان.
وأكد أهمية الكوميسا، أكبر تجمع اقتصادي أفريقي، بالنسبة لمصر والذي وصل حجم التبادل التجاري بينها وبين مصر حوالي 4 ألاف مليون دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لحجم التجارة البينية لدول المنظمة، منوهًا بأن إعلان أفريقيا منطقة تجارة حرة سيؤدي للكثير من زيادة الصادرات المصرية والواردات البينية بين الدول الأفريقية.
السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أكد أن جولة الرئيس السيسي تهتم أساسًا بمنطقة الجنوب الأفريقي بهدف تنامي وتعاظم العلاقات ما بين مصر والدول الثلاث (أنجولا، زامبيا، موزمبيق) سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد.
وأشار إلى أن جولة الرئيس شهدت تدشين لعلاقات أرحب وآفاق أوسع فيما يتعلق بالتعاون في المجال الأمني والعسكري خاصة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والنازحين واللاجئين، وكذا المجال السياسي ، حيث يتم التنسيق والتشاور بين مصر والقيادة السياسية بالدول الثلاث بصدد الأزمات الساخنة التي تواجهها القارة وعلى رأسها الأزمة بالسودان وتداعياتها على دول الجوار بصفة خاصة وأفريقيا بصفة عامة، وكذلك الأزمة الليبية والأوضاع بالصومال والكونغو ومنطقة القرن الأفريقي والساحل.
وأضاف أن التعاون في المجال الاقتصادي كان موضع اهتمام كبير خلال لقاءات الرئيس بالقادة الأفارقة ، حيث تم الاتفاق على تناميه وتعاظمه سواء فيما يتعلق بالبنية التحتية أو العلاقات الاقتصادية والتجارية ذات البعد الاستثماري، فضلا عن محاور عديدة مثل الطاقة الجديدة والمتجددة والاقتصاد الأخضر والأزرق والمشروعات القومية المرتبطة بخط القاهرة كيب تاون، وربط بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط و ضخ الاستثمارات و تنشيط الانتاج وتنوعه ما ينعكس على العلاقات بين مصر دول الثلاث القارة.
ونوه كذلك إلى التركيز على الملف الاجتماعي وتحديث البنية التحتية والاهتمام بالمجال الطبي وتوفير اللقاحات والتمويل اللازم، بجانب الاهتمام بالتعليم والثقافة وإيفاد بعثات من وإلى الأزهر الشريف للإسهام في محاربة الإرهاب والفكر المتطرف وبناء القدرات في كافة المجالات المختلفة.
وأشار إلى تسليط جولة الرئيس بأفريقيا الضوء أيضًا على التنمية المستدامة وأجندة الاتحاد الأفريقى 2063، وتشجيع التجارة ما ينعكس على النشاط التجاري ويحقق الهدف الرئيسي للكوميسا.
وشدد على أن مصر لعبت دورًا كبيرًا أثناء رئاستها للكوميسا، وقد كان هذا الدور محل تقدير واهتمام من دول القارة وفتح آفاق جديدة لاستكماله من جانب الرئاسة الجديدة (زامبيا) على النحو الذي يمكن أن يتحقق معه الهدف الرئيسي من التجمع وهو إقامة سوق أفريقية مشتركة بين الدول الأعضاء.
بدوره، قال السفير الدكتور عادل السالولسي ، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن زيارة الرئيس السيسي إلى كل من أنجولا وزامبيا وموزمبيق تؤكد اهتمام القيادة السياسية بجميع مناطق القارة ، لافتًا إلى أن هذه البلاد تربطها علاقات تاريخية بمصر إلا أن زيارة رئيس مصر ولأول مرة لتلك الدول ستؤدي إلى دفع العلاقات والتعاون المشترك إلى آفاق أوسع.
وأوضح أن مصر دولة أفريقية كبرى ولها حضارة فريدة وبلد مؤسس لعدد من المنظمات القارية وعلى رأسها منظمة الوحدة الأفريقية ما يؤكد تواجدها السياسي القوى ودورها الفاعل بالقارة، مشددًا على أن مصر مهتمة بتحقيق التنمية المستدامة مع مختلف البلدان الأفريقية، خاصة أن أفريقيا غنية بالموارد والمصادر وتسعى الدول العظمى إلى الاستفادة من تلك الثروات عبر مصر بوابة أفريقيا من الشمال والشمال الشرقي.
واختتم السفير السالولسي بأن جولة الرئيس الأفريقية نجحت في إعطاء دفعة للتعاون في جميع المجالات لاسيما السياسية والاقتصادية مع البلدان الثلاثة، كما أنها كانت فرصة مهمة لشرح موقف مصر من السد الأثيوبي واحترامها للقانون الدولي الخاص بالأنهار الدولية والتأكيد على تلك الثوابت في علاقاتها مع الدول الخارجية خاصة الأفريقية.