قال السفير الدكتور محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق، "إن مصر والهند تقدمان الآن للعالم نموذجا جديدا للاستقلالية الإقليمية فى عصر الاستقطاب، عبر البحث عن المشتركات والسعى من أجل مصير تتحدد فيه قواعد الحركة الدولية، ومن خلال التعاون و التفاهم بينهما وحرصهما على حفظ مكانة للقوى الإقليمية بين القوى العظمى.
وأكد السفير حجازي - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الجمعة تعقيبا على الزيارة الرسمية الهامة التي يقوم بها رئيس وزراء الهند "ناريندرا مودى" إلى مصر غدا السبت وبعد غد الأحد - رغبة القاهرة ونيودلهي في تعزيز العلاقات المشتركة بينهما لاسيما بحكم الدور المحوري الكبير الذي تلعبه كلا الدولتين لتحقيق أمن واستقرار محيطهما الإقليمي سواء في العالم العربي والشرق الأوسط بالنسبة لمصر أو بجنوب آسيا بالنسبة للهند.
وشدد على أن زيارة ناريندرا مودى تأتي في توقيت شديد الأهمية والتعقيد على الساحة الدولية والإقليمية، لاسيما مع ازدياد صعوبة المشهد الدولي بعد ضغوط جائحة كورونا وتداعياتها على البلدان واقتصاديات العالم، بجانب الوضع الدولي الراهن وتعقيداته نتيجة استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية والاستقطابات الدولية والضغوط الإقليمية التي يشهدها العالم اليوم.
وأضاف أن زيارة رئيس الوزراء الهندي للقاهرة جاءت عقب خمسة أشهر فقط من مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي كضيف شرف رئيسي في احتفالات الهند ب"يوم الجمهورية"، وهو ما يعد تعبيرا صادقا من الهند عن أهمية مصر وقائدها، وكذلك تقديرها لحاضر ومستقبل العلاقات المصرية الهندية.
ونوه السفير حجازي بالشراكة بين مصر والهند وحرصهما على استقرار أمن الملاحة الدولية لاسيما أمن البحر الأحمر وقناة السويس والخليج العربي، وضمان حرية الملاحة التي تتطلع الهند لإرساء دعائمها من المحيط الهادي وصولا إلى أوروبا عبر قناة السويس.
ولفت إلى أن العلاقات المصرية الهندية شهدت العديد من المؤشرات التي توحي بدخولها بالفعل لحيز العلاقات الاستراتيجية، مبرزا في هذا الصدد زيارة وزير الدفاع الهندي راجناث سينج في سبتمبر الماضي للقاهرة والتي تم التوقيع خلالها على مذكرة تعاون عسكري، والاتفاق على دعم العلاقات العسكرية والأمنية والتدريب ومكافحة الإرهاب، علاوة على انضمام مصر لحوار الهند الدفاعي مع قارة أفريقيا، بجانب المناورات العسكرية البحرية التي ترسي من خلالها الدولتان دعائم الأمن والاستقرار وضمان حرية الملاحة في المناطق الممتدة من المحيط الهادي مرورا بالمضايق وقناة السويس والبحر الأحمر.
وأشار كذلك لعدة مؤشرات توضح المسار الاستراتيجي للعلاقات منها دعوة الهند لمصر في قمة مجموعة العشرين كشريك رئيسي من خارج المجموعة (التي تترأسها الهند) على مستوى رؤساء الدول والحكومات والتي تستضيفها نيودلهي يومي 9 و 10 سبتمبر 2023، فضلا عن دعم الهند لعضوية مصر في تجمع البريكس الذي يضم الهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، ومرشحة للانضمام إليه كل من مصر والسعودية والجزائر.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق أن رئيس وزراء الهند يحرص على تقديم دعم اقتصادي هام واستثماري لمصر، فضلا عما قدمته الشركات الهندية خلال قمة المناخ COP27 في شرم الشيخ من استثمارات ضخمة تقدر بنحو 18 مليار دولار في مجال الهيدروجين الأخضر.
وتابع أن الهند مستمرة في تقديم اللفتات الطيبة لمصر، حيث استثنت مصر من قرار حظر تصدير الأقماح الهندية في إطار حرصها على تحقيق الأمن الغدائي وتقديم الدعم الاقتصادي لأصدقائها، مذكرا بأن دولة الهند تعد من أكثر الاقتصاديات صعودا في مجموعة العشرين، وقوى رئيسية يعتد بها على الساحة الدولية.
وأكمل أن الهند تعد كذلك إحدى مراكز إنتاج الدواء في العالم، وتمتلك العديد من التكنولوجيات الحديثة الهامة التي يمكن أن تستفيد منها مصر بلا قيود مثل: تكنولوجيا الفضاء، التكنولوجيا النووية، الهندسة الوراثية، الذكاء الاصطناعي، والطاقة الجديدة المتجددة.
وألقى السفير حجازي الضوء على أهمية إنشاء جامعة علمية تكنولوجية مصرية هندية على غرار جامعة العلوم والتكنولوجيا الشهيرة في مدينة “بانجلور" - واحدة من أقدم وأبرز الجامعات في الهند - التي تضم العديد من مراكز العلوم والتكنولوجيا، والتي يمكن أن تصبح أحد صروح العلاقات العلمية بين البلدين.
وشدد كذلك على أهمية زيارة رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس منذ أيام قليلة إلى نيودلهي في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية والإنتاج من خلال الدعوة لإنشاء منطقة صناعية هندية تضم كبرى شركات ومصنعي الهند، حتى تستفيد الهند من قدرات مصر في مجال الطاقة والصناعات بهذه المنطقة والتصدير من خلال هذا الموقع الجغرافي الفريد لباقي أنحاء العالم.
ونوه بالطفرة الاقتصادية التي حققتها الهند خلال الأعوام الماضية حيث تعد من الدول الجاذبة للاستثمارات الأجنبية والتي قدرت بنحو 80 مليار دولار عام 2020 وذلك على الرغم من تداعيات جائحة كورونا، كما لديها كوادر في جميع المجالات يمكن أن يقدموا إضافة هامة للصناعات المصرية ومجالات التكنولوجيات المتنوعة التي تملكها.
وتابع أن الهند تبنت منذ عام 2014 مبدأ "صنع في الهند" وأصبحت من أكبر المصنعين على المستوى العالمي وأسهمت من خلال القوانين والتشريعات في إتاحة الفرصة لانطلاق العديد من الصناعات وعلى رأسها صناعة السيارات خاصة الكهربائية.
وذكر السفير حجازي بالعلاقات التاريخية الوثيقة بين مصر والهند - رواد حركة عدم الانحياز - حيث أسهمتا في تحقيق الاستقرار في العلاقات الدولية خلال الحرب الباردة، ومؤهلتان اليوم لمواجهة ظاهرة الاستقطاب الدولي وتعزيز الاستقلالية في هذه المرحلة شديدة الصعوبة، بجانب الترتيبات الإقليمية التي تكفل لدول المنطقة حقوقها في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة.