قال الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر، إن الأزهر الشريف مضى عليه الآن أكثر من 1060 عامًا، وهو يحافظ على وسطية الإسلام والمسلمين التى تعنى عدم التعصب لمنهج أو مذهب معين، مع احترام مذاهب وأديان الآخرين، والنأى عن المهاترات المذهبية تمامًا، وكتاب الثقافة الإسلامية المقرر على الصف الثالث الإعدادى وصفوف المرحلة الثانوية يلخص كل هذه المعانى الإنسانية السامية التى أقرها الإسلام ونحن نربى عليها طلابنا.
وأضاف الدكتور أحمد الطيب، خلال حديثه الأسبوعى الذى أذيع، اليوم الجمعة، على الفضائيَّة المصرية، إن المنهج الأزهرى منهج سلمى يحافظ على إشاعة السلم فيما بين المسلمين، وفيما بينهم وبين غيرهم سواء أكان هذا غير متدين أم لا، كما أنه منهج تعددى يجمع كل المذاهب الإسلامية ويقف بها تحت لافتة الإسلام، لا يكفر ولا يقصى أى مذهب آخر، ولا يفسقه أو يبدعه.
والناظر فى بعض وسائل الإعلام يأخذه العجب من شيوع الاتهامات عن المنهج الأزهرى، وهى مقولات لا يعرفها الطالب الأزهرى ولم يدرسها، ولا أنا شخصيا أعرفها على مدار أكثر من نصف قرن قضيتها فى الأزهر، وهنا أتساءل، لماذا لم يكن فى الأزهر متطرفون فى الألف سنة قبل الستين عاما الماضية؟! أين المتطرفون فى هذه الفترة؟ ولِمَ أغمض هؤلاء الشانئون عيونهم عن أئمة وقادة الحركات المتطرفة المسلحة الذين لم يتخرجوا من الأزهر، وتركوا الجامعات الأخرى التى أفرزت مثل هؤلاء المتطرفين، فكل يهمل عن عمد، وتوجه السهام للأزهر الذى لم يخرج متطرفًا مسلحا واحدًا، وهذا يقودنا إلى أن هناك حملة ممنهجة ضد الأزهر الذى تعرض لحملات كثيرة من هذا النوع؛ لأن الأزهر هو قلعة الإسلام، ولا يظن هؤلاء أنهم يستطيعون النيل من الأزهر، فالأزهر باق بإذن الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يؤدى دوره التعليمى والدعوى ونشر السلم والسلام والأمن والأمان.
وأشار الأمام الأكبر إلى أن التعليم الأزهرى يقابله فى بعض البلدان أنواع كثيرة من التعليم تربى الطالب على مذهب واحد وتعلمه منذ الصغر أن مذهبه هو المذهب الصحيح، وما عداه مرفوض ويجب محاربته، وتطور الأمر إلى أن أصبح لهذا النوع من التعليم الأحادى - إن صح التعبير - دعاة وأرصدة وميزانيات وجامعات، وهذه الأحادية هى ما نعانى منها الآن، مؤكدًا أن الأزهر الشريف هو المؤسسة التعليمية الوحيدة التى تدرس المذاهب الفقهية - الحنفى، المالكى، الشافعى، الحنبلى - وتترك لطلابها الحرية فى دراسة أى منها، وهذا يغرس فى أذهانهم المنهج التعددى الذى لا يحصر الطالب فى تجاه محدد يكفر به الآخر، ويعمق فى نفس الطالب الصغير احترام وجهات نظر الآخرين التى تتساوى مع وجهة نظره، كما أنه يقضى فى سن مبكرة على هذه الحساسية بين المذاهب والأديان.
وتابع الإمام الأكبر: الأزهر يدرس فى المرحلة الثانوية نشأة الفرق والمذاهب الكلامية حيث ندرس العقيدة الأشعرية، والماتريدية ومختلف مدارس أهل الحديث وغيرهم، بل والمذهب المعتزلى، والإباضى، والشيعى أيضا، كما يدرِّسها بتوسع فى المرحلة الجامعية، فكثير من رسائل الدكتوراه فى كلية أصول الدين فى قسم العقيدة مسجلة عن علماء من الشيعة الإمامية، وهذا الدراسة - كما قلنا - تعبر عن سعة الأفق، وتقضى فى الوقت نفسه على الحساسية المفرطة من جانب المتشددين داخل الفكر الإسلامى، والمهاجمين للوسطية الاعتدال والنظر الهادئ الرزين.
وأشار الدكتور أحمد الطيب، إلى أن بعض القنوات تعتمد اعتمادًا كليًّا على ضعف مستوى الثقافة الإسلامية واللغة العربية لدى نسبة كبيرة من المشاهدين، فيضللون الناس بنزع بعض النصوص من سياقها فى بعض كتب الحديث والتراث، وهذه قرصنة واستغلال لعدم معرفة الناس بأمور اللغة، لأنه من المستحيل أن يتحدث فى علوم الأزهر إلا أزهرى متخصص ودقيق، لا أزهرى متميع، ولا من لم يدرس كتابا واحدا فى الأزهر ولا يعرف عن علومه شيئا، ويُنصب نفسه حكما وقاضيا على مناهج الأزهر، وما كنا نتمنى أن تهبط الأمور إلى هذا المستوى من عدم الشعور بالمسئولية، لافتا إلى أن الأزهر يخرج المالكى والحنفى والشافعى والحنبلى على قدم المساواة، فليس فى الأزهر مذهب وسطى واحد بل أربعة مذاهب فقهية.
وأوضح الإمام الأكبر، أن الأزهر من قديم الزمن يتبنى المذهب الأشعرى من بين المذاهب العقدية، لأنه مذهب وسطى يعترف بالكل ولا يكفر أحدا ممَّن يصلى إلى القبلة ويشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولا يجرؤ أحد على تكفير فعل ما فعل، ارتكب كبيرة أم لا، لكن هو مسلم عاص أو آثم أو مرتكب كبيرة، ولا يمكن إخراجه من الإسلام، وهذا مما ينفرد به المذهب الأشعرى الذى قعَّده الإمام أبو الحسن الأشعرى على ما كان عليه النبى -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين - رضوان الله عليهم - وذلك بخلاف غيره من المذاهب العقدية الأخرى؛ فبعض علماء الشيعة الإمامية يكفرون أهل السنة، ويقولون بارتداد الصحابة، والمذهب المعتزلى يقول: إن مرتكب الكبيرة فى منزلة بين المنزلتين لا هو مؤمن ولا هو كافر، و"السلفية المتشددة الغالية" ترفض الفكر الأشعرى، وتكفر وتفسق وتبدع، وتقول بعدم جواز الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة، ومع ذلك نسمع من لم يقرأ جملة واحدة لا فى المذهب الأشعرى ولا فى المذهب السلفى يقول: إن الأزهر اختار المذهب الأشعرى ليبقى سلفيًّا مع أن بين غلاة بعض السلفية وبين الأشاعرة بعد المشرقين.
وشدد على أن المنهج الأزهرى منهج وسطى فى الفقه وفى العقيدة، لكن حينما يقال فى بعض الفضائيات: إن المنهج الأزهرى هو منهج داعشي، فهذه جريمة: جريمة خلقية فى المقام الأول وعلى مَنْ يدعى ذلك أن يراجع نفسه وألا يكذب على نفسه وعلى الناس، هل قرأ وتأكد ونزل إلى المعاهد وعرف ما يدرس بها؟ هل أحصى عدد الأزهريين؟ هل هناك منهم من قاد حركات مسلحة وحركات إرهابية وحركات متطرفة؟! من أين تخرج هؤلاء المتطرفون؟! وإذا لم يكن منهم أزهرى واحد، وأغلبهم تخرج من كليات أخرى غير الأزهر، فلماذا لا توجه كلامك إلى هذه الكليات؟! لماذا لا تبحث عن الأسباب الحقيقية التى أنبتَتْ هذا التطرف؟ هل لأنه طُلِبَ منه أن يشوِّه الأزهر أو كُلِّفَ بذلك، لافتًا إلى أن الأزهر كيان كبير ويسير فى الطريق الصحيح، ولذلك يخافونه ويحاولون بشتى الصور أن يشوهوا صورته حتى إنهم إذا ما وجدوا شيئا قالوا: كتب الأزهر لونها أصفر، ويدينون الأزهر بلون الكتاب، لأنهم لا يعنيهم إلا الهجوم على الأزهر بأى شكل من الأشكال، ومع ذلك فصدرنا رحب، والأزهر مفتوح لمن أراد أن يعرف مناهجه وما يدرسه لطلابه، ويفتح الباب للنقد المحترم ويضع يده فى يد مَن يقودنا ليقدم شيئًا لهذا الوطن.
واختتم الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر حديثه، بأن هدم الأزهر هدم للوطن باعتباره القوة الناعمة لمصر وللعالم العربى والعالم الإسلامى، ومن أراد أن يعرف قيمة ومكانة الأزهر فليعرفها فى خارج مصر فى العالم الإسلامى الذى لا يرضى بهذا الهجوم الذى كنا نود ألا يأتى من قبل مصرى، ومع ذلك نحن على استعداد أن نتلقى أى نقد هادف يبنى ولا يهدم، فنحن لسنا معصومين ولا نؤمن بمعصوم إلا بالنبى صلى الله عليه وسلم، مؤكدًا أن اجتزاء بعض النصوص فى الكتب التراثية الأزهرية دون فهمها فى إطارها العام تضليل للناس حتى يقال: إن مناهج الأزهر مناهج إرهابية مع أن هذه المناهج موجودة من قديم ولم تخرج إرهابيين وقتئذٍ، فلماذا تخرجهم الآن؟! إلا إذا كان المطلوب هو هدم الأزهر، ولن يتحقق لهم ما يريدون.