اعتبر رئيس الحكومة المغربية المكلف عبد الإله ابن كيران أن خروج مظاهرات احتجاجية على مقتل بائع السمك محسن فكرى "ظلما وعدوانا" فى مدينة الحسيمة شمال البلاد هو نوع من التعبير عن التضامن الشعبى مع قصة هذا الشاب والمطالبة بمحاسبة المسئولين عن هذه الحادثة الأليمة.
وأبدى ابن كيران فى مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) تفهما كبيرا لحالة الغضب التى عبر عنها المواطنون فى الحسيمة وبعض المدن المغربية، بل والعاصمة الرباط، ورفعهم شعارات تشير إلى أن مقتل البائع جاءت نتيجة لسياسات قمعية ومتعنتة تتبعها الدولة فى التعامل مع المواطنين خاصة البسطاء منهم.
وقال :"هذا هو المزاج العام حين تكون هناك حادثة مؤلمة مثل التى وقعت ... المزاج العام لا يميز فى اللحظات الأولى بين ما إذا كان المسؤول عن القضية هو شخص بعينه أو إدارة محددة أو شيء من هذا القبيل ... ويوجه اللوم للمسؤولين عموما فى كل موقع".
وأقر رئيس الحكومة، الذى يتولى موقعه منذ نهاية عام 2011، بوجود اختلالات فى الإدارة المغربية، ملمحا إلى أن أحدها ربما يكون السبب فى وقوع مثل هذا الحادث وغيره من الحوادث المشابهة، مشددا على أن المهمة الأساسية والأولى للحكومة المقبلة، طبقا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، ستكون معالجة تلك الاختلالات.
وقال موضحا :"الاختلالات التى تعرفها الإدارة المغربية شيء معروف للجميع ... وجلالة الملك محمد السادس تحدث عنها فى خطابه أمام البرلمان ... ربما يمكننا القول أنها كانت التوصية الأساسية والأولى من قبل جلالته للحكومة المقبلة لتكون تلك المهمة على رأس أولوياتها".
وشدد على أن "الاحتجاجات جاءت فى النطاق الطبيعى وليست شيئا مستغربا، وهناك تفهم لأسبابها، والحمد لله أن هذه الاحتجاجات كلها مرت حتى الآن فى إطار مسؤول ومحافظ على الأمن والاستقرار".
وأعرب ابن كيران /62 عاما/ عن رفضه للأصوات التى اتهمته بالصمت حيال القضية وعدم التحرك سريعا لكشف ملابساتها فضلا عن تنديد البعض لدعوته لنشطاء وأعضاء حزبه بعدم المشاركة بالمظاهرات التى خرجت احتجاجا على مقتل فكري، وعدم خروج تصريحات صريحة من جانبه تتعهد بمعاقبة أى متورط بتلك الحادثة.
وقال :"لا لا لست صامتا عن القضية ... فالملك أصدر أوامره ونحن ننفذ ... ومن بداية القضية صدر بحقها توجيهات ملكية، وحينما يعطى جلالة الملك توجيهات مباشرة فى إحدى القضايا، تعتبر الحكومة أن جلالة الملك قد قام بالواجب وأنه لا يوجد سبيل بعد ذلك لكى تدخل هى بشكل وبصفة مستقلة، لأن الملك قد أعطى بالفعل توجيهاته".
وأضاف متسائلا :"لمن أعطى جلالة الملك توجيهاته؟ ... هو أعطى توجيهاته لكل من وزير الداخلية ووزير العدل وهما عضوان بالحكومة، إذن الأمور محسومة ... الأوامر الملكية صدرت لوزير الداخلية، والأخير تعهد بأن النتائج سوف تعلن وكل من يستحق العقاب سيعاقب طبقا للقانون ... وهذا الأمر على هذا النحو ليس محلا للنقاش".
ودعا ابن كيران الجميع لإدراك المكانة العليا التى يتمتع بها جلالة الملك محمد السادس فى عقول وقلوب المغاربة ومدى الثقة الكبيرة التى يتمتع بها فى نفوسهم، وكيف يعتبرون أى حديث أو وعد منه هو أمر وتكليف مباشر غير قابل لمناقشة تنفيذه.
وأوضح :"الملك فى المغرب هو رئيس الدولة وهو رئيس الإدارة ورئيس الحكومة ... وأنا مجرد عضو فى مجلسه الوزاري... ربما يصعب على البعض خارج المغرب تفهم ذلك، ولكن الملك هنا ببلادنا، بالإضافة لوضعه القانونى ومكانته الدينية، له مكانة كبيرة راسخة فى عقول وقلوب الجميع وليس فقط فى القوانين والدساتير، وحين يقوم بشيء أو يقول شيئا فى قضية ما فهذا يعنى أن هذه القضية قد حُسمت والذى يكون علينا بالحكومة هو التنفيذ فقط".
ورفض ابن كيران انتقادات البعض له لعدم تقديمه بشكل شخصى واجب العزاء لأهل القتيل، وقال :"أرسلت ثلاثة وزراء سابقين للتعزية فى وفاة هذا الشاب الذى هو من أسرة تنتمى لحزبنا العدالة والتنمية ... وصحيح أنى لم أتحرك شخصيا لظروف خاصة بي، ولكنى أرسلت الوزراء فضلا عن رئيس المجلس الجماعى لتطوان ... ذهبوا جميعا كى يعزوا فى وفاة هذا الشاب...وأرفض أن يوجه أحد اللوم لى ويقول لماذا لم أذهب بنفسي، فأنا قمت بالواجب لأنه واجب، وليس لإعلان موقف أمام الرأى العام، فهذا أمر غير مقبول!".
وأعرب عن أسفه من محاولة البعض إضفاء صيغة التمييز الجهوى على القضية برفع بعض الأعلام والشعارات للمطالبة بانفصال بعض مدن الشمال ومنها الحسيمة، موطن القتيل، لكونها مهمشة، مشددا ومطمئنا الجميع فى نفس الوقت على أن" تلك الأصوات ما هى إلا أصوات أقلية".
وأضاف :"هذا مع الأسف الشديد لا يتوقف، وكلما كان هناك حادث كرر البعض شعارات لها مثل هذا النفس الانفصالي، ولكن هذا ليس توجها عاما ... فقط بعض الأشخاص الذين ينتمون لحركات متطرفة يريدون أن يجعلوا الأمازيغية قضية تفرقة ... وهناك إجماع فى المغرب على أن قضية الأمازيغية لا تتعلق فقط بالأمازيغ أو أهل الريف، بل هى قضية وموضوع وطنى يتفق حوله جميع المغاربة ...والدستور المغربى نص على أن الأمازيغية لغة رسمية بالبلاد".
واستنكر محاولة البعض استغلال الحادث لتصفية معارك سياسية، مرجحا وقوف خصومه السياسيين وراء رفع البعض لشعارات معادية له وتطالب برحيله أو إحراق صوره خلال المظاهرات. وكان حزب العدالة والتنمية، الذى يرأسه منذ عام 2008، تصدر نتائج الانتخابات التشريعية التى جرت الشهر الماضى فى المغرب.
وقال :"الجميع يعرفون أن هناك خصوما يريدون استغلال أى فرصة للتعرض لشخصى ... وبطبيعة الحال، نحن حديثو العهد بالانتخابات، وقد صوت المغاربة لحزبنا العدالة والتنمية وهنالك أشخاص يرفضون هذه النتيجة وناقمون عليها ... وفى تقديرى من فعلوا ذلك (إحراق صوره) من المحتجين كانوا مدفوعين فيما فعلوه ...وعددهم قليل جدا".
ويذكر أن حزب العدالة والتنمية قد تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية الأخير بحصوله على 125 مقعدا، وحل حزب الأصالة والمعاصرة ثانيا بحصوله على 102 مقعد من أصل 395 مقعدا هى إجمالى مقاعد البرلمان. وحل حزب الاستقلال المحافظ ثالثا بـ46 مقعدا، فيما حصد حزب التقدم والاشتراكية ذو التوجه اليسارى والذى شارك فى الائتلاف الحكومى السابق 12 مقعدا فقط.
وفيما يتعلق بآخر تطورات مشاورات تشكيل الحكومة ومدى تأثرها بحادث مقتل بائع السمك وما أعقبه من مظاهرات، قال :"مشاورات تشكيل الحكومة مستمرة ... لكن لا يمكن لحادث بهذا الحجم أن لا يؤثر عليها فى إطار تأثيره على الوضع السياسى بصفة عامة".
وأضاف :"عموما، المشاورات مستمرة، ووافق كل من حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية بالفعل على الانضمام للحكومة المقبلة ولا نزال نحتاج لحزب آخر يملك على الأقل عشرين مقعدا لنشكل الأغلبية المطلوبة ... ويجرى الآن التشاور مع ثلاثة أو أربعة أحزاب، وبعد أن يحسم أحدهم أمره ننطلق بإذن الله للعمل".
ورفض تحديد موعد لإعلان الانتهاء من تشكيل الحكومة، مكتفيا بالتوجه بالدعاء "بأن يجعل الله هذا الأمر سريعا".