فى الوقت الذى تحاول فيه مصر حكومة وشعبا ،توفير المادة الخام لرغيف العيش وهى حبة القمح، ومحاولة تقليل فاتورة استيراده من الخارج ،والتى تجاوزت 22.86 مليار جنيه عام 2014 ،حسب آخر تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، تتصاعد حاليا دعوات صحفية وسياسية تطالب بزراعة التبغ فى مصر بدلا من استيراده بملايين الدولارات .
محمد على يحتكر زراعة التبغ
صفحات الكُتب والجرائد تقول إن قضية الجدل فى زراعة التبغ بمصر ليست وليدة اليوم ،بل ثار الخلاف والنقاش حولها منذ عشرات السنين، و أن التبغ كانت تزرعه مصر فى فترة الاحتلال الفرنسى من عام 1798 وحتى عام 1801 ، حيث زرعه سكان إقليم الفيوم فى هذا الوقت بدلا من استيراده ، بعد انتشار استعماله بشكل واسع بين المصريين ، ثم فى عهد محمد على باشا الذى احتكر زراعته ،لتوفير المادة الخام لشركات السجائر فى عهد الاحتلال الإنجليزى لمصر من عام 1882 وحتى عام 1952 .
وبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 تم منع وتجريم زراعة التبغ، وتأسيس منظومة جديدة لزراعة الحاصلات الزراعية التى توفر لمصر غذاءها مثل الزيادة فى زراعة القمح والذرة والشعير ، والمواد الخام اللازمة للصناعات الوطنية الجديدة مثل القطن، والكتان والخضر والفاكهة .
النوبارية وحقل تجارب التبغ
فى معهد بحوث المحاصيل الحقلية ،التابع لمركز البحوث الزراعية بوزرارة الزراعة ،كان التبغ كمحصول زراعى يتبع فى دراساته وبحوثه لهذا القسم ، ثم انتقلت دراساته وأبحاثه زراعيا إلى قسم التكثيف المحصولى، وهو القسم الذى يدرس ويبحث فى تحميل محصول على محصول آخر،خلال فترة الزراعة.
وفى أواخر الثمانينات ،وبعد إجراء التجارب والأبحاث الزراعية على التبغ كمحصول زراعى لعدة سنوات ، وتسجيل الباحثين لحوالى 12 رسالة ودراسة للماجستير والدكتوراه ثم مناقشتها ،وحصولهم على الدرجات العلمية،صدر قرار بوقف دراسة موضوع التبغ كمحصول زراعى ،حتى ولو عن طريق الأبحاث،بعد أن حصل عدد من الباحثين على الدرجات العلمية،وهم الأستاذ الدكتور أحمد سعيد مصطفى كامل ، والدكتور محمد عباس المصرى، والدكتور محمد الميهى ، والدكتور صبرى الجمل ، والدكتور صلاح السيد عطية،وقد أثبتت التجارب والأبحاث على زراعة مساحة 4 أفدنة بالتبغ فى منطقة النوبارية ،أن هذا المحصول يعطى حوالى طنا من ورق التبغ المجفف، وتكاليف الفدان وقت آخر دراسة ،فى عام 2002 – 2003 بلغ 4آلاف و 200 جنيها وقتها ، وهو مايوازى الضعف حاليا بحوالى 8 آلاف و400 جنيها، ويستمر المحصول فى الأرض 5 أشهر و15 يوما ،وتتم عملية الزراعة فى شهر مايو من كل عام ،وهو محصول صيفى بمصر، وصافى الإيرادات 4 آلاف جنيها للفدان بأسعار 2002- 2003 وهو مايوازى حاليا حوالى 8 آلاف جنيها،وتستمر زراعة مشتل التبغ حوالى 60 يوما، ويكفى مساحة 20 مترا مربعا كمشتل لشتلة الفدان الواحد،ويعطى النبات الواحد حوالى 15 جراما من بذرة التبغ، وتكفى كمية 5 كجم من البذور لزراعة فدان من التبغ، الذى يتم شتله مثل غرس البصل.
وحول تسميد المحصول ،قال الدكتور صلاح السيد عطية ،الأستاذ بقسم التكثيف المحصولى ،بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية مركز البحوث الزراعية، إن احتياجاته السمادية منخفضة وهى 33 كجم من النيتروجين للفدان ، و50 كجم من كربونات الكالسيوم ، ويجود المحصول فى الأراضى "الكلسية" أى التى بها كربونات الكالسيوم، مثل أراضى النوبارية و والأراضى الرملية الصفراء ومديرية التحرير ، كما يمكن إجراء التجارب بالمناطق المنعزلة فى الوادى الجديد وشرق العوينات وسيناء شمالا وجنوبا وحول بحيرة ناصر وفى منطقة توشكى.
هزل فى موضع الجد
فى معهد بحوث المحاصيل الحقلية أيضا ، أكد أحد الأساتذة أن الكلام عن زراعة التبغ فى مصر ،سواء صدر عن صحفيين وإعلاميين أو صدر عن سياسيين ونواب بالبرلمان ،فهو هزل فى موضع الجد،وتهريج فى أمور لا يجوز فيها "الهزار" ، لأن الأولى بنا أن نطالب ونلح ونصر على زيادة مساحة زراعة القمح والذرة الشامية والصفراء ،حتى نطمئن على توفير غذاء المصريين أولا ، ثم توفير تغذية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية ، والحصول على البروتين الحيوانى والأبيض والسمكى لإطعام أفواه 90 مليون مصرى، وتساءل الخبير الزراعى قائلا: أيهما أولى بالاهتمام والزراعة ..الطعام والشراب أم "الكيف"؟؟
وحذر خبير الحاصلات الحقلية من الانجراف خلف هذه الدعوات الجدلية العقيمة ،التى لا تأت على مصر والمصريين إلا بالخراب والدمار، وفى رده على حجة ارتفاع تكاليف استيراد التبغ بالدولار ، قال : هذا الأمر لا يعنينا فى شىء، ما يعنينا كباحثين زراعيين هو توفير محاصيل لتغذية المصريين وثرواتهم الحيوانية والداجنة ،وليس زراعة حاصلات مجرمة بقوة القانون وممنوع زراعتها فى مصر.