فند المحررين المصريين فى عددها الجديد اهمية التعليقات فى المواقع الالكترونى وكيفية انحسارها، قائلين "تنظر لعنوان الخبر، ثم تقرأ المقدمة، وتمر سريعًا على الفقرات حتى تصل بعينك لمنطقة التعليقات، وهنا تتوقف لتفحص أبرز وأطرف ما كتب".
هذه العادة التي كانت تستغرق منا وقتا أكثر مما كنا نقضيه في قراءة الخبر نفسه لم تكن حكرا علينا كصحفيين، ولكن الواقع أن الكثير من القراء كانوا متيمين بها، خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع أو قصة ساخنة تحمل وجهات نظر متعددة.
قبل سنوات قليلة لم يكن يخلو موقع لصحيفة أو قناة على الانترنت من هذا الجزء الهام المخصص للتعليقات، وكانت القصص الأكثر تعليقا تجد اهتماما مثل القصص الأحدث/ الأكثر مشاركة/ الأكثر قراءة، ولكن الآن الوضع تغير كثيرا، وظهرت اتجاهات مختلفة إزاء التعليقات، وطرق التعامل معها وإدارتها.. دعونا نتعرف عليها.
رقابة أم لا ؟
وهناك سياسيات عدة في التعامل مع التعليقات، سواء من حيث وجوب التسجيل من عدمه، أو من حيث التسجيل ب"فورمات" خاصة بالموقع أو من خلال أي شبكة اجتماعية شهيرة، مثل فيس بوك.
ومن حيث نشر التعليقات نفسها هناك مدارس مختلفة، مثل:
المنع هو الأصل، ويتم تمرير التعليقات بواسطة عنصر بشري يراقب ويسمح بما يوافق شروط التعليق، والتي يجب أن توضع/توضح مسبقا في مكان ظاهر، وعيب هذه الطريقة بعيدًا عن ما يتعلق بها من جدل مهني واخلاقي، أنها مكلفة جدا خاصة عندما نتحدث عن ورود آلاف التعليقات بشكل يومي، وغالبا لم تعد تستخدم هذه الطريقة كثيرا، ألا في مواقع قليلة جدا، لديها احساس تأميني عالي.
وهناك مدرسة السماح بالتعليقات بكل خيارتها، فيمكن أن تكون مطلقة، مع بعض الأدوات للرصد أو للإبلاغ Flags عن التعليقات المسيئة؛ ويمكن أن تدار بواسطة فريق يراقب التعليقات السيئة؛ أو تعمل وفقا لسياسية Trust User والتي كان أول من طبقها قبل 7 سنين موقع مصراوي، وفيها يتم مراقبة أول ثلاثة تعليقات لأي مستخدم بعد تسجيله لأول مرة، وبعدها يمنح صلاحية التعليق مباشرة دون مراجعة.
غلق دكان التعليقات
في السنوات الثلاثة الماضية بدء اتجاها جديدا يظهر بالنسبة لسياسية التعليقات، وهو ببساطة: لا تعليقات على الموقع، حيث يتم التنازل عن هذا القسم لصالح أداة التعليقات البديلة بموقع فيس بوك، في الوقت الذي رحل الكثير من المعلقين المتفاعلين مع المحتوى، لتصبح تعليقاتهم على "بوست" الذي وضع على فيس بوك.
هذا الاتجاه انتشر ومازال يتوسع، قبل فترة قليلة أعلنت الإذاعة القومية العامة بأمريكا (NPR) عن إغلاق قسم التعليقات لديها، بعد تجربة دامت ثماني سنوات من التعليقات على مقالاتها، ويقول سكوت مونتجمري، رئيس تحرير الأخبار الرقمية:"رأينا أنها لم تعد تقدم شيئا مفيدا للغالبية العظمى من الجمهور".
وهو ما حدث أيضا في مجلة "Popular Science" الشهيرة، والمتخصصة في الشئون العلمية والتكنولوجية، ويعتقد كارل فرانزن مدير النسخة الرقمية من المجلة أن"الموقع هو مكان للقراءة والمشاركة، أما المحادثات فمكانها قنواتنا التواصل الاجتماعي".
كارل ليس وحده، فهناك الكثير من مسؤولي المواقع الصحفية يعتقدون أن التعليقات ليست هي المنتج الرئيسي لهم، فلماذا يشغلون أنفسهم بها؟! ويضيف كارل في حوار لموقع "Medium" المتخصص في الشأن الإعلامي:" التعليقات ليست منتجنا الإعلامي الرئيسي، فيسبوك شبكة اجتماعية لديه بنية وسياسات لتعزيز المحادثات لتكون بشكل أفضل".
وعلى الرغم أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لديها إمكانيات أعلى لاستضافة المحادثات عن صفحة التعليقات في أي موقع، لكنها تسبب عائق للجمهور، لانهم سيبذلون جهدًا إضافيـًا للانتقال لموقع أخر، وهو ما سيضيع على المواقع الإعلامية حركة تواجد كبيرة، ويقلل من وقت البقاء على الموقع Average time spent on a website.
ورغم اعتراف فرانزن بوجود خلاف حول تلك العملية، إلا إنه يقول :"أظن أنه خلاف مفيد، لأنه ينتج عنه تفكير والذي أعتقد أنه يضيع أحيانـًا بسبب فورية مواقع التواصل الاجتماعي".
جون أرني ماركسن رئيس تحرير صحيفة "ديجبلاديت" النرويجية التي اتخذت نفس الخطوة، فسر قرارهم بالتركيز على ترك النقاشات والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي، قائلًا: "عليك إعطاء الأولوية لشيء ما وهو المحتوى، لذا قررنا ترك النقاش لوسائل التواصل الاجتماعي"
في مصر
وهنا في أكبر بلد عربي لديه عدد مستخدمين للإنترنت، تقريبًا 45 مليون مستخدم، قامت العديد من المواقع الصحفية بنقل منصات تعليقاتها بالكامل لتكون على فيس بوك.
المصري اليوم والبوابة نيوز، فاختارتا أن تعملا بنظام تعليقات مزدوج، يجمع بين منصة تعليقات فيس بوك، ومنصتها الداخلية الخاصة، أو حتى منصة أخرى خارجية، كما فعلت المصري اليوم بالاستعانة بشركة Speakol.
أما موقع اليوم السابع الذي يعد الموقع الإخباري الأول في مصر، اختار أن يبقى على نظام تعليقاته القديم كما هو دون تغيير، وإن كان لوحظ انحصار كبير في نسبة التعليقات مقارنة بما تشهده صفحته على فيس بوك من تفاعل وتعليق.
نيويورك تايمز
لا يمكن ونحن نتحدث عن سياسية التعليقات، أن نغفل تجربة نيويورك تايمز الفريدة في إدارة نظام التعليقات لديها، بداية من الحرص على تطويره والاهتمام به تحريرا وتقنيا، وتخصيص مساحة بارزة له أسفل كل قصة.
نيويورك ثاني الصحف الأمريكية من حيث التوزيع، لديها فريق خاص بمتابعة تعليقات جمهورها، وترتيب هذه التعليقات، وكانت في السابق تقوم بعمل بعض الموضوعات باقتباسات من آراء جهورها، ولكن توقفت قبل فترة عن هذا النوع من التقارير.
ويبدو أنها جعلت التعليق محصورا فقط على نسختها الرقمية، والتي يبلغ عدد المشتركين فيها حاليا 1.55 مليون مشترك، بعد أن كانوا مليون فقط قبل عام، واستغرق الأمر منها 5 أعوام تقريبا للوصول لأول مليون، وعام واحد للوصول لنصف مليون إضافي. ويكفي أن نعرف أنها اضافت حوالي 40 ألف مشترك جدد في شهر الانتخابات الأمريكية.
التعامل مع التعليقات ليس فقط من باب أنه جالبا لحركة الترافيك، ولا لزيادة الترابط مع الجمهور بالتفاعل، ولكن أيضا لجلب زوايا جديدة للقصص المنشورة ما يعمل على تطويرها وزيادة رقعة المحتوى ومصادره، أو حتى اقتراح قصص جديدة ذات صلة بالمنشور، أو حتى الابلاغ عن خطأ ما في المحتوى.
ويحسب لموقع مصراوي وللمصري اليوم خوض هذه التجربة، وكانت سرعان ما اختفت في ظل عدم اهتمام وعدم كاف. أما نيويورك تايمز فمازالت تتبع نفس النهج وتصر على الاستماع لجمهورها مهما كلفها ذلك من موارد وتخصص مساحة NYT Readers Picks، بل وتقوم بتحليل ما يقولوه الجمهور؛ قبل فترة جمعت 9.6 مليون تعليق على موقعها، واتاحتهم للتحليل واستخلاص الدروس، وهذه هي النتائج.
شر لابد منه !
الحقيقة أن هناك مدارس وأفكار مختلفة فيما يتعلق بسياسية التعليقات، فالبعض يرى أنها مكلفة ويجب التخلص منها، والبعض الأخر يتمسك بوجود نظام تعليقات مستقل عن فيس بوك، خاصة وأن هذه الأخير لم تعد تطمئن أغلب المؤسسات الإعلامية، وبشكل عام هناك حالة توجس من نوايا فيس بوك.
وهناك زاوية أخرى هامة، تلك المتعلقة بالقدرة على ضبط ايقاع التعليقات ومنع السباب والعبارات المسيئة والأفكار العنصرية، والغريب أن كلما زادت الأدوات التي تقوم بالرقابة والحذف، يبتكر بعض المعلقين في مصر كما في أي مكان في العالم طرقًا مبتكرة لكتابة الشتائم، حتى لو بالأرقام والرموز!
فقدان السيطرة على التعليقات تحديدا جعل أكبر موقع أخباري في الفلبين ويدعى (ABS-CBN) يندفع لهذا القرار مضطرا، رغم أنه لم يكن يبدى أي حماس لنقل المحادثات والنقاشات حول المحتوى الخاص به على فيسبوك، ولديه 12.6 مليون متابع، وهو أكثر من 10% من تعداد الفلبين.
وكجزء من مسؤوليتها، اتخذت إرليني برجوس رئيسة قسم التواصل الاجتماعي هذا القرار الصعب، وتوضح السبب، "لاحظنا أن الكثيرة من الأشخاص يتصرفون بطريقة غير مسئولة، ويكتبون دون تفكير في عواقب تعليقاتهم المسيئة أو العنصرية".
وتضيف: "هؤلاء الأشخاص يمكنهم اختطاف الرأي العام وتوجيه خطابه، وأظن أن هذا شيئا خطيرا أن تسير الأمور بتلك الطريقة".
وهو تقريبًا السبب الذي دفع موقع كبير مثل "نيوز 24" في جنوب افريقيا باتخاذ هذا القرار، وفقـًا لما صرح به أندرو ترنتش رئيس التحرير السابق للمؤسسة لمجلة "ميديم"، ويقول :" كان مقدار التعليقات هائلاً، ولكن غلب عليها خطاب الكراهية".
عودة لسؤالنا الأول: هل تلغى الصحف والقنوات الإخبارية أقسام التعليقات لديها؟
في الحقيقة، لا تنتظروا منا إجابة شافية، نحن هنا نرصد ونطرح ونعرض مجموعة من التجارب والخبرات، فالأمر ما زال قيد التجربة، والكرة ما زالت في الملعب، ولا شيء يجزم أنه أفضل أو أسوا؛ ولكن الخطأ المؤكد، في تجاهل الدوافع والأسباب، وفي القرار العشوائي دون التفكير المحترف المبني على حقائق ومعلومات ودراسة.