" لابد أن نكون أمام ضمانات حقيقية تبدد مخاوف المواطن المصرى الذى عانى كثيراً من تزوير الإنتخابات " . هكذا إستهل بهاء أبو شقة رئيس لجنة الشئون الدستورية و التشريعية بالبرلمان ، كلمته أمام اللجنة خلال مناقشة قانون الهيئة الوطنية للانتخابات ، الذى تقدمت به الحكومة فى وقت سابق و قامت اللجنة بدراسته و إبداء الرأى فيه .
" إتفقنا على عدة تعديلات بخصوص المشروع من أهمها أن نكون أمام إشراف قضائى كامل على العملية الإنتخابية ، و لتحقيق هذه الضمانة لابد أن يكون لكل صندوق قاضى مراقب و أن يكون كافة العاملين تابعين لجهات قضائية ".
هكذا أكمل أبو شقة كلامه مباهياً برؤية اللجنة للتعديلات التى تضمن نزاهة العملية الإنتخابية ، لكن يبدو للوهلة الأولى أن تلك التعديلات ليست موفق، حيث قاطعه المستشار مجدى العجاتى وزير الدولة للشئون القانونية و مجلس النواب قائلاً "من الصعب توفير قاضى لكل صندوق بل من المستحيل لذلك يفضل إستبدال القضاة بالعاملين بالجهات و الهيئات القضائية " .
إستمرت مناقشات مواد القانون على هذا المنوال ، بين قبول المواد كما هى أو إضافة بعض التعديلات عليها ، حتى أتت المادة المعنية بتعيين الرجل الأخطر بالهيئة ، و هو مدير الجهاز التنفيذى الدائم للهيئة الوطنية للإنتخابات .
تكمن أهمية هذا الرجل فى طبيعة المهام التى يقوم بها ، حيث نصت المادة 17 من القانون على تلك المهام فى 10 فقرات هى :
" 1- تصريف الشئون المالية و الإدارية للهيئة .
2- مراجعة الدراسات و الخطط و البرامج التى تعرض على المجلس ، و الإشراف على إعداد جدول أعمال و محاضر جلساته .
3- تنفيذ قرارات و سياسات المجلس ، و رفع تقارير دورية بشأنها للمجلس .
4- إبلاغ قرارات الهيئة إلى الوزارات و الجهات المعنية ، و متابعة تنفيذها.
5- إعداد برنامج تنفيذى لقرارات المجلس ، وفقاً لبرنامج عمل الهيئة فى فترات الإستفتاء و الإنتخاب و عرضه على المجلس لإعتماده.
6- إعداد مشروع الموازنة السنوية للهيئة و متابعة تنفيذها و إعداد ملفات منتظمة لها و تقارير دورية بشأنها .
7- إقتراح الهيكل التنظيمى للهيئة ، و نظم الموارد البشرية لها و عرضها على المجلس .
8- إنشاء و إدارة الموقع الإلكتروني و وسائل الإتصال و التواصل الحديثة للهيئة .
9- رفع تقارير دورية و ربع سنوية إلى المجلس أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك تضمن ما أداه من مهام و أعمال و مهام إختصاص فى سبيل تحقيق أهداف الهيئة و سياستها .
10- مباشرة إختصاصات التى يعهد بها المجلس إليه ، أو رئيس الهيئة " .
و بالتالى فإن هذا الرجل هو حلقة الوصل بين الهيئة من جانب و الحكومة و الجهات السيادية من جانب أخر ، أيضاً إداة التواصل مع الجمهور من خلال إدارته لآليات الإتصال المختلفة ، بالإضافة إلى مهامه المالية و الإدارية داخل الهيئة .
و هذا ما دفع النواب للإختلاف حول طريقة تعينه التى نصت عليها المادة 15 بين المشروع المقدم من الحكومة و التعديل الذى أجرى عليها ، و تكمن المعضلة فى التعديل الذى أجراه أحمد حلمى الشريف وكيل التشريعية و ليس المشروع المقدم من الحكومة فى حد ذاته ، حيث تنص المادة 15 على " يشكل الجهاز من رئيس الهيئة بعد موافقة المجلس من المدير التنفيذى و نائب له أو أكثر و عدد كاف من العاملين يتم اختيارهم من بين أعضاء الجهات و الهيئات القضائية و العاملين المدنيين بالدولة و ذوى الخبرةو ذلك وفقا للقواعد التى يضعها المجلس .
فى حين أن التعديل الذى أجراه الشريف على نفس المادة ينص على " يشكل المجلس بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح من رئيس الهيئة بعد موافقة المجلس و مدير تنفيذي و ثلاث نواب .... "
و هنا يأتى الخلاف حول المادة حيث عبر بعض النواب عن رفضهم التام للتعديل لانه لا يضمن إسقلال اللجنة .
حيث قال النائب أحمد الشرقاوى " هل يجوز أن يكون رئيس الجمهورية و هو منتخب أن يتولى تعيين المدير التنفيذى للهيئة الإنتخابية التى تتولى الإشراف على إنتخابه ، و هل هذا يضمن لها الحيادية و الإستقلال ؟ " و أضاف أيضاً " ستدار الهيئة برأسين هما رئيس الهيئة و المدير التنفيذى الذى يعينه رئيس الجمهورية " .
فرد عليه محمود فوزى مستشار بمجلس الدولة مدافعاً عن التعديل بأن أعضاء الهيئة و رئيسها يعينهم رئيس الجمهورية و بدورهم سيتولوا إختيار المدير التنفيذى و يعينه رئيس الجمهورية يعنى هى هى ، علاوة على أن هذا المنصب أهم من وزراء كثيرين بالدولة لذلك هو الأولى بالتعيين من جانب رئيس الجمهورية".
و قال النائب ضياء الدين داود " إستقلالية الهيئة هى محل إعتبار ، و ليس لدينا إعتراض على شخص الرئيس السيسى لكن قد يأتى رئيس نختلف معه " .
و أكد على كلامه النائب أسامة شرشر حيث قال " أن المستشار حاتم بجاتو كان المهيمن على كل تفاصيل الإنتخابات التى أتت بالإخوان و نص الحكومة هو الأكثر حيادية و إستقلالية " .
كان شرشر من بين عدد من نواب حضروا إجتماع اللجنة خصيصاً للإعتراض على آلية تعيين المدير التنفيذى و فقاً للتعديل و كذلك النائب أحمد طنطاوى و هيثم الحريرى .
و بعد ذلك طلب المستشار بهاء أبو شقة إجراء تصويت على المادة الأصل و التعديل فأتت النتيجة 6 أصوات فقط للموافقة على النص الذى وضعته الحكومة و 17 صوت للتعديل ، و بالتالى كانت الغلبة لتعيين رئيس الجمهورية للمدير التنفيذى .
ثم أتت بعد ذلك المادة 16 التى أججت الخلاف من جديد حيث تنص على " أن يعين المدير التنفيذى و نوابه بقرار من رئيس الهيئة بعد الموافقة المجلس لمدة أربع سنوات و يجوز تجديدها لمرة واحدة فقط " ، دون أن يجرى عليها أى تعديل نهائياً من جانب اللجنة التشريعية ، و هذا ما دفع النواب المؤيدون لنص الحكومة للحديث بصوت عالى و إعتراض واضح لأن هذه المادة تتعارض مع تعديل المادة15 التى تم الموافقة عليها .
فطلب أبو شقة إجراء تصويت عليها من خلال إعلان كل نائب عن تصويته النهائى منفرد ، حيث قام أحمد حلمى الشريف بالمناداة على كل نائب بالإسم و تدوين صوته على ورقة حتى يكون العد دقيق فى نهاية التصويت .
و أتت نتيجة مفاجأة فقد تساوت أصوات النواب ، بواقع 13 نائب مواقف على تعديل المادة و 13 موافق على نص الحكومة دون تعديل ، أى أن ترجيح إحدى الكافتين يحتاج إلى صوت واحد فقط ، و قال النائب هيثم الحريرى ساخراً " شوفوا حد من النواب اللى واقفين بره يجي يصوت " .
و هنا ظهرت معضلة أخرى و هى حسم النتيجة لنص الحكومة أم للتعديل ، فدفع بعض النواب بأن التساوى يلغى التعديل و يبقى على النص الأصلى المقدم من الحكومة ، فرد المستشار محمود فوذى بأن تساوى الأصوات يلغى الموضوع أى النص الأصلى و التعديل معاً ، فثار النواب عليه رافضين طرحه ، فتلى النائب إيهاب الخولى نص اللائحة الداخلية فى هذا الخصوص و التى تؤكد كلام فوزى ، و حاول أبو شقة إحتواء الموقف لكنه فشل تماماً و أعلن النائب كمال أحمد إستقالته من اللجنة بعد أن أمطر الحاضرين بالإتهامات ، حيث إتهم النواب الموافقين بالمحاولة للتأثير على إرادة الرافضين للتعديل ، كما أنه إتهم أبو شقة رئيس اللجنة بالسعى لتمرير التعديل الذى يتيح لرئيس الجمهورية تعيين المدير التنفيذى .
و للمرة الثانية تنتهى جلسة المناقشة دون أخذ قرار نهائي و تقف اللجنة التشريعية مشلولة أمام " الرجل الأخطر بالهيئة الوطنية للإنتخابات " ، حيث إنتهت المناقشة بالجلسة الأولى عند حدود من المادة 15 ، و كان من المقرر عقد جلسة ثالثة أمس الثلاثاء فى تمام الخامسة مساءاً إلا أنه تم تأجيل عقد الجلسة دون إبداء أسباب أو تحديد موعد أخر .