قال باحث صينى فى الشؤون العربية ،ومدير مركز الشيخ زايد للغة العربية والدراسات الإسلامية فى جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، يدعى شيويه تشينج قوه، الملقب بأسم "بسام"، إن قانون "النقاب واللحية" فى الصين، هو عبارة عن منع إطلاق اللحية غير الطبيعية، ومنع ارتداء النقاب فى الأماكن العامة، ليس من غرضه التضيق على المسلمين فى الصين، ولكن لمحاربة التطرف والعنف.
وأضاف الباحث الصينى، حسب ما نشرت وكالة شينخوا، ردا على مقالة للكاتب الصحفى فهمى هويدى بعنوان "أشقاؤنا المنسيون"، الذى نشر فى الأول من أبريل الجارى، ووصف فيه القانون الجديد فى أقليم "شينجيانج" الواقع فى غرب الصين، أنه أحدث حلقات مسلسل القمع الذى يتعرض له مسلمو الصين، إنه لا يعرف خليفات القانون الجديد.
وأشار الباحث الصينى إلى إن برلمان إقليم شينجيانج الواقع فى غربى الصين، أصدر قانونا يحظر 15 ظاهرة ذكر الأستاذ هويدى بعضها وبشكل غير دقيق، ومنها إطلاق اللحية غير الطبيعية، وارتداء النقاب فى الأماكن العامة، وزواج أو طلاق على الطريقة الدينية دون إتمام إجراءات قانونية، وعرقلة النشاطات الثقافية والترفيهية، ورفض أو منع متابعة الإذاعة والتلفزيون وتلقى الخدمات العامة، وهى ظواهر تصب فى خانة التطرف الدينى كما تراها حكومة شينجيانج المحلية، بينما يعتبر الأستاذ هويدى القانون الجديد حظرها "أحدث حلقات مسلسل القمع الذى يتعرض له مسلمو الصين".
وأضاف الباحث الصينى، إنه بعد قراءة المقال وجد نفسه مدفوعا لتسجيل بعض الملاحظات حولها، لأنها تحتوى على معلومات خاطئة، وبالتالى أحكام جائرة، ومنها أنه لا يبدو أنه يعرف كثيرا عن خلفيات إصدار القانون المذكور، التى تتمثل فى تنامى ظاهرة التطرف الدينى فى شينجيانج فى السنوات الأخيرة، فقد شهد هذا الإقليم، ذو الثقافة العريقة فى حب أفانين الحياة، ظواهر غريبة فى العقد الأخير لم يختبرها على مر التاريخ، ففى جنوب الإقليم، أُجبرت النساء بل الصبايا أيضاً، على ارتداء الجلباب الأسود والنقاب وترك العمل خارج المنزل، وظهرت موجة عارمة فى تشديد التفرقة بين الحرام والحلال، فبين مياه الشرب وأوراق الكتابة ما هو حلال وحرام، ومتابعة الإذاعات والتلفزيونات الحكومية حرام، والموسيقى والغناء حرام، والرقص فى الزفاف والبكاء فى المأتم، بل حتى الأدوات الكهربائية التى توفرها الحكومة لمساعدة الفقراء، هى كلها "حرام"، أما المعارض لهذا التشدد، سواء أكان من أهل الويجور أو غيرهم، فيعتبر كافراً يستحق عقوبة قد تصل إلى الإعدام!، ولم يعد قتل الإنسان جريمة فى نظر البعض، لمجرد أن المقتول "كافر"، أو إنه جزء من قومية "ظالمة" أو رعية فى نظام "قامع"!، ومن الواضح أن هذه الأفكار الظلامية هى الأفكار نفسها التى تؤمن بها التنظيمات المتطرفة والإرهابية، التى تنتشر فى عالمنا اليوم كوباء العصر، ونتيجة لهذه الأفكار وقعت العديد من الحوادث الإرهابية فى داخل الإقليم وخارجه فى السنوات الأخيرة.
والملاحظة الثانية أن هويدى وقع فى بعض الأخطاء عندما تحدث عن تاريخ شينجيانج، حيث اعتبر أنها "المقاطعة التى تعرف تاريخيا باسم تركستان الشرقية، وقد ضمتها الصين رسميا فى عام ١٩٤٩، بعد مناوشات واحتكاكات استمرت طوال القرن الثامن عشر".
ويدرك القارئ الجدّى للتاريخ الصينى أو تاريخ آسيا الوسطى أن ذلك الإقليم – الذى سمى فى تاريخ الصين القديم بـ "شى يو" أى "المناطق الغربية"، كان تحت الحكم الصينى منذ عهد الهان الملكى الغربى (دام من عام 206 قبل الميلاد إلى عام 220 الميلادى)، وأطلق عليه اسم شينجيانج أى "الحدود الجديدة"، مختصرا للتعبير "أرض قديمة تم استرجاعها جديدا" فى عام 1757 فى عهد الإمبراطور تشيان لونج فى عصر تشين الصينى، أما مصطلح "تركستان الشرقية"، فهو تعبير اخترعه Nikita Bichurin المستشرق الروسى ذو التوجه الاستعمارى فى القرن التاسع عشر لتسمية الأجزاء الجنوبية للإقليم.
والملاحظة الثالثة، أن رواية هويدى عن حال المسلمين فى الصين، الذين وصفهم "بمواطنين من الدرجة الثانية" لهى رواية مغايرة تماما للحقيقة، ويكفى أن أذكر السياسات التفضيلية التى طبقت فى الصين منذ تسعينات القرن الماضى لصالح الأقليات القومية، بما فيها القوميات الإسلامية العشر، مثل التساهل فى المعاملات القضائية، والمرونة فى تنظيم النسل، وتخفيض درجات قبول الطلاب الجامعيين وغيرها، إلى حد أن بعض المتطرفين من قومية الهان الأغلبية يشكون من عدم المساواة بين القوميات لمصلحة الأقليات.
والملاحظة الأخيرة، هى أن أكثر ما يثير انتباه وسائل الإعلام العربية والغربية فى القانون المذكور هو ما يتعلق بحظر اللحية والنقاب، الأمر الذى يذكرنى بدراسة مقارنة قمت بها قبل سنوات لثلاثية "بين القصرين" لنجيب محفوظ وثلاثية "التيار الجارف" للأديب الصينى الكبير باجين، اللتين بدأتْ أحداثهما فيما قبل مئة سنة تقريبا. وعرفت من خلال الدراسة أن مصر والصين كانتا تتشابهان إلى حد كبير فى بعض التقاليد: فبينما كان مفروضا على المرأة المصرية ارتداء الحجاب والنقاب، كان مفروضا على المرأة الصينية تحجيم القدمين بلفائف قماشية، ويفتخر الرجل فى كلا المجتمعين بأن امرأته لا تخرج من المنزل إلا محمولا على النعش إلى القبر، وكانت اللحية رمز تدين للرجل العربى، مثلما كانت الضفيرة رمز ولاء الرجل الصينى لحكم أسرة تشين الملكية، أما اليوم، فلم تعد الصين بلاد لفائف القدم أو ضفيرة الرجل مما يقترن بصورة "رجل آسيا المريض" قبل مائة عام تقريبا، بل لم تعد "أكثر بلاد العالم عزلة وتفردا، وأضخم وأغرب محيط بشرى عرفه التاريخ" كما وصفها هويدى فى كتابه "الإسلام فى الصين" قبل ربع قرن، إنما خطت خطوات جبارة فى تطوير الصناعة وإبتكار العلوم وغزو الفضاء لتصبح ثانى أكبر اقتصاد فى العالم وتحتل مكانة بارزة فى صفوف الدول العظمى، رغم تحديات كبيرة تواجهها.
واستطرد الباحث الصينى مقاله "بلغنى، وأنا أكتب هذه المقالة، خبر وقوع تفجيرين بكنيستى الاسكندرية وطنطا، ويعزز هذا الخبر المحزن قناعتى بأنه ينبغى على الصين ومصر، الوقوف فى خندق واحد ضد التطرف والإرهاب، العدو المشترك للعصر وللإنسانية.