حالة جدل واسعة شهدها موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، تسبب فيها الإعلامى يسرى فودة بمنشور عبر الموقع، رأى كثيرون من الرواد والمتابعين أنه يحمل إهانة ضمنية لدماء الشهداء، ومزايدة على الدولة المصرية ومؤسساتها، وادعاء شخصيا للبطولة على حساب اللحظة التاريخية الفارقة، وفى ضوء ما حمله المنشور وأثاره فى نفوس المتابعين، اشتعلت صفحة "فودة" بعشرات التعليقات المنتقدة والناقدة والكاشفة لتناقضيات إعلامى الجزيرة السابق.
عقب الحادث الإجرامى الذى وقع عند الكيلو 135 على طريق الواحات البحرية جنوب غربى الجيزة، كتب يسرى فودة عبر صفحته: "اللهم ارحم شهداءنا، كلًّا على قدر نيته، واللهم صبّر أحباءهم، كلًّا على قدر نيته"، منتقلا من هذا التعبير الغريب والمشحون بخطاب رأه البعض إسلامويا ويشبه الخطابات الراديكالية الإخوانية والسلفية، إلى التعريض بالنظام السياسى ومؤسسات الدولة، واستعراض ما رآه البعض سعيا إلى ادعاء بطولة شخصية على حساب الدم، وبطريقة "إننى أعلم ما لا تعلمون والكوارث قائمة ومستمرة ولن تتوقف".
منشور يسرى فودة لم يمر مرور الكرام، أو بتعليقات الأصدقاء والمحبين فقط كما كانت العادة، وإنما اشتعلت الأجواء بعشرات التعليقات المنتقدة والراصدة لتناقضات يسرى فودة، وبينها تعليقات لصحفيين وإعلاميين كانوا مقربين من "فودة" أو دائمى التهليل له والإشادة بمواقفه، ورغم أن ردود الفعل لم تخل تماما من المهللين والمادحين ومن تبنوا موقف "فودة" الذى رآه البعض مُغلفا بالشماتة، إلا أن الموجة الغالبة كانت للانتقاد والاستهجان.
كتبت رشا مسعد معلّقة على منشور يسرى فودة:"إيه العلاقة بين استشهاد رجال الشرطة واللى انت بتقوله ده، موقفك الشخصى علاقته إيه بالأحداث، أعتقد خانك التوفيق فى إنك تختار وقت زى ده للشماتة وإثبات وجهة النظر، يا ريت تحس إن دى بلد مكلومة وتبتعد عن دعم الأنا"، وكتب أحمد عيد: "بجد بوست ليس له أى علاقة بالأحداث.. ناس راحت علشان بتدافع عننا وانت بتقول أتدرون! أحب أقول لك أنت تدرى أن الإرهاب موجود فى العالم كله، أحب أقول لك إنهم عايشين معانا، تعرف ده ولا مش عندك علم؟ أحب أقول لك إن إحنا لولا عندنا رجالة بتخاف على البلد دى من إخوتنا فى الشرطة والجيش كنا هنموت، بلاش عداوتك للنظام السياسى يا يسرى تخليك تخلط الورق كله ببعض".
حساب يحمل اسم رانيا مجدى ذهب أبعد من موقف الانتقاد العابر للحديث الغريب، لتذكر يسرى فودة بشىء من ماضيه، قائلة: "يا ريت حضرتك تشيل البوست ده لأنه وحش بزيادة فى حق أتباعك أكتر من حق نفسك! مش عارفين يبرروا لك المرة دى من كتر فظاظة البوست والتوقيت! فاكر حضرتك لما سألناك فى محاضرة فى الجامعة الأمريكية عن شغلك فى قناة الجزيرة وإنك وقتها كان لا يمكن تنتقد قطر فى شىء، قلت إن ده مقابل بسيط فى سبيل إنك تقدر تنتقد أى حاجة تانية، وإن على كل الأحوال قطر دولة صغيرة لا يحدث فيها الكثير أو ما يستدعى النقد! فبلاش دلوقتى تكلمنا على الثبات على الموقف وثبات المبادئ أرجوك!".
تتابعت عشرات التعليقات التى وجهت نقدا لاذعا لحديث يسرى فودة، وطال شخصه ومسار عمله الإعلامى منذ تعاونه مع مؤسسات ألمانية فى نهاية الثمانينيات، وحتى وصوله إلى "دويتش فيله" خلال العام الماضى، وضمن الانتقادات كتب محمد الحدينى: "النظام قائم ولن يسقطه الخونة أمثالك يا قبيح الشكل والفكر، يا عبد الدولار، تترحم على الشهداء الذين قتلهم سادتك؟! فعلا أنت ضبع وخنزير ودودة قبر".
يُذكر أن يسرى فودة تخرج فى كلية الإعلام جامعة القاهرة أواخر الثمانينيات، وجمعته روابط مهنية مع مؤسسة فريدريش ناومان التى أسسها تيودور هويس أول رئيس لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وزعيم الحزب الديمقراطى الألمانى، ثم التحق بعدها بهيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" وجمعته خلال تلك الفترة بجهاز المخابرات الإنجليزية MI6 ومن هذه العلاقات ارتبط بصداقة مع أحد ضباط الجهاز، ومن خلاله أعد أولى حلقات برنامجه التليفزيونى عبر شاشة قناة الجزيرة "سرى للغاية" التى انتقل لها عام 1996، عن محاولة اغتيال الرئيس الليبى السابق معمر القذافى واستهداف السفارة الإسرائيلية فى لندن.
خلال سنوات عمله فى الجزيرة ارتبط يسرى فودة بعلاقات وطيدة بعدد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فى المنطقة، وعدد من التنظيمات والميليشيات الإرهابية، فزار أفغانستان وباكستان والتقى الإرهابيين خالد شيخ محمد ورمزى بن الشيبة، الضالعين الأبرز فى هجمات 11 سبتمبر، ثم أبلغ عنهما لاحقا ليُقبض عليهما فى بيشاور الباكستانية، كما عبر الحدود السورية العراقية مع النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق، الذى تحول لـ"داعش" لاحقا، وأعد حلقة وكتابا عن التنظيم وامتدح قياداته، وهو ما وضعه لدى البعض فى دائرة "صديق داعش" والتنظيمات الإرهابية، وخلال إعداده لحلقة بعنوان "الطريق إلى عتليت" زار إسرائيل بتسهيلات من الموساد، والتقى عددا من الأكاديميين وضباط الجيش الإسرائيلى، وكان سفير مصر فى إسرائيل وقتها الدبلوماسى الراحل محمد بسيونى يتولى توفير التسهيلات والدعم له بتوجيهات من نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
حاليا يعمل يسرى فودة فى قناة "دويتش فيله" الألمانية الرسمية، بموجب تعاقد وقعه فى صيف العام الماضى، ويخصص "فودة" الجانب الأكبر من برنامجه "السلطة الخامسة" للشأن المصرى، بينما تقوم فلسفة البرنامج وخطته المعلنة قبل انطلاقه على تغطية أمور الشباب والإعلام الجديد فى العالم العربى، ولكن فى إحدى حلقاته خلال الشهور الأخيرة فتح "فودة" ملف قضية "البدون"، أو المواطنين الذين لا يحملون جنسية، وركّز حلقته بكاملها على مصر التى لا تعد من الدول المركزية فى هذا الملف، متجاهلا أكثر من 20 بلدا حول العالم تضم ملايين البدون، ومنها ألمانيا نفسها التى يقيم ويعمل فيها.