لماذا تشغل المرأة كل هذا الحيز فى الذهن السلفى؟.. يبدو السؤال منطقيا بمطالعة هذا الكم من طلبات الفتاوى التى تتناول قضايا نسائية، عبر منصات الدعوة السلفية على شبكة الإنترنت، كل شىء يخص المرأة، مهما كان صغيرا أو تافها، محل سؤال وفتوى ورغبة فى الحصول على صك بالإقرار والتصديق من الشيخ ياسر برهامى.
هذه المعانى وأكثر منها تبدو حاضرة بقوة فى سؤال نُشر عبر موقع الدعوة السلفية قبل أيام قليلة، قال صاحبه: "بعض الأخوات يردن أن يراجعن على خطيبتى حفظهن للقرآن عبر الهاتف، وهى مترددة، فهى لا تضمن حين تكون هى التى تقرأ أن يقتصر سماع ترتيلها على الأخوات، كأن تستخدم إحداهن المكبر أو المسجل، فهل تسير فى هذا الأمر أم لا؟ وهل هذا ينسحب على برامج الويب؟".
رغم أن الأمر كله يتعلق بالقرآن الكريم ومراجعته، فإن الشك يساور صاحب السؤال من أن يتسرب صوت خطيبته وهى ترتل القرآن إلى رجال غيره، أو أن تستخدم إحداهن مكبر صوت فيصبح صوت خطيبته مباحا لكل الناس، واللافت أن إجابة ياسر برهامى تتجاوز السؤال فى غرابته، فمع علمه بأن السيدة تقرأ القرآن، ولا تغنى مثلا أو تتحدث بسوء، إلا أنه تماهى مع صاحب السؤال فى مخاوفه من تسرب ترتيل خطيبته لرجل آخر، وأفتاه بأن "تنبه خطيبته الأخوات على عدم استعمال المكبر فى وجود رجال أجانب، وتمنع التسجيل، ثم تستمر ولا تنسحب من هذا الخير".
يتكرر هذا فى كثير من فتاوى ياسر برهامى بخصوص المرأة خلال العامين الماضيين، وهى الفترة التى اتسمت فيها فتاوى ومواقف الدعوة السلفية بكثير من الانفتاح الذى أغضب الأتباع فى بعض الأحيان، واضطر القيادات لبذل مجهود كبير لاحتواء هذا الغضب والحفاظ على ما تبقى من الصف السلفى، لكن السمات الخاصة بفتاوى السلفيين عن المرأة بقيت كما هى لم يصبها قدر من هذا الانفتاح، إلا ما كانت الدعوة السلفية مضطرة إليه لسبب أو آخر.
من الأمور التى اضطرت لها الدعوة السلفية مثلا تعديل موقفها من تحريم مشاركة المرأة فى الانتخابات قبل ثورة يناير، إلى القول بجواز المشاركة بعد الثورة، لأن القانون اشترط وجود المرأة على القوائم، ووصل الأمر لدفع نسائهم للتصويت فى أفواج بالاستحقاقات الانتخابية المختلفة، وهذه التراجعات كما هو واضح فرضتها المصلحة السياسية، لكنها من ناحية عملية كشفت مجموعة من التناقضات الواضحة بسبب ثبات الموقف فى القضايا التى تخص المرأة اجتماعيا واقتصاديا.
على سبيل المثال، فإن المرأة التى أفتى لها ياسر برهامى بالترشح فى انتخابات مجلس النواب، هى نفسها التى يرد على سؤال عبر موقع "أنا السلفى" بشأنها، يقول:"هل يجوز كشف المنتقبة يديها ووجهها فى المطعم من أجل الأكل وتناول الطعام؟ وهل هذا الأمر من الحاجة المعتبرة لأنها لا تستطيع أن تأكل بالجوانتى؟"، فيقول: "إذا كانت لا تستطيع الأكل إلا بكشف يدها كشفتها، وإذا كان يمكنها أن تأكل مع دوام ارتدائها للنقاب، وهو ممكن، لم تكشف وجهها؛ هذا إذا كانت ترى مذهب وجوب ستر الوجه".
المرأة السلفية نفسها التى دفعتها الدعوة وشيخها برهامى لسباق الانتخابات، لتكون أحد واضعى التشريعات والقوانين، تسأل عن حكم الالتحاق بالجامعات المختلطة مع الالتزام بالحجاب الشرعى وجعل المعاملة مع الطالبات فقط، بينما يرد الشيخ: "طالما التزمتِ بالحجاب والتعامل مع الطالبات، إلا إذا كانت هناك حاجة للتكلم مع الرجل، فيكون بالمعروف دون خضوع بالقول، ومع غض البصر، ومِن غير خلوة؛ فلا يحرم دخول هذه الجامعات"، وحتى بعض المهن التى توافق المجتمع منذ سنوات طويلة على عمل المرأة بها، مثل التمريض، يجيب برهامى على سؤال نصه "خطبتُ فتاة تعمل ممرضة فى مستشفى مختلط، وتبيت خارج البيت، وقد طلبتُ منها التوقف عن العمل فرفضتْ، فهل إن تزوجتها أحمل أوزارها؟"، قائلا: "هذا الأمر متوقف على درجة التزامها فى العمل بالحجاب، ومعاملة الرجال الأجانب، ونحو ذلك".
فتاوى ياسر برهامى، والسلفيين بشكل عام، عن المرأة تكشف أن هذا القطاع فى المجتمع الذى تربى على أيدى شيوخ الدعوة السلفية يتعامل مع المرأة باعتبارها كائنا قادما من كوكب آخر، أو كائنا ناقص الأهلية والحقوق، وبالتأكيد يحتاج إلى هيمنة ووصاية وإدارة شاملة لأموره، وبالطبع لإعادتة تعريف ما هو بديهى ومعروف بالضرورة.