قال الكاتب الصحفى السعودى عبد الله الرشيد، إن البعض يعتقد خطأ أن مذهب الإمام أحمد بن حنبل يعنى التشدد والتضييق، قائلا فى مقدمة مقاله المنشور بصحيفة عكاظ السعودية: "أتذكر أستاذاً مصرياً فى جامعة الإمام ألح عليه أحد الطلاب ببعض الأسئلة الدقيقة، فرد عليه المدرس متذمراً: "خلاص ما تكونش حنبلي"!.. حبس الصمت القاعة لوهلة من هذا الرد، تفاجأ الطلاب من هذه العبارة، وما هو المقصد، وهل يطعن هذا الاستاذ فى الحنبلية هنا وفى هذا المكان!! تدارك المدرس الموقف سريعا، وشرح قصده بأنها كلمة دارجة فى مصر، ومعناها "لا تكن متشدداً دقيقاً، وإنما تحل ببعض المرونة"، واتبع كلامه: "حاشا لله أن أقصد قدحاً فى المذهب الحنبلى، وإنما هى عبارة تجرى على اللسان دون قصد». هدأت القاعة قليلاً مع بعض من الاستهجان والارتياب".
وأشار الرشيد إلى أن المذهب الحنبلى تفرد فى المعاملات المالية وأصبح أكثر المذاهب توسعاً فيه وتيسيراً، فمثلا أجاز عقودا وشروطا لم يجزها غيره من المذاهب، كبيع العربون، واشتراط الخيار أى مدة معلومة، وجواز البيع بغير ذكر الثمن اعتمادا على العرف الثابت، وغيرها.
وذكر الرشيد، أن هذه العبارة تكشف عن خطأ شائع فى العالم الإسلامى وهو الاعتقاد أن المذهب الحنبلى يعنى التشدد والصرامة، وأن الحنبلية مرادفة للتنطع الدينى، والالتزام المبالغ فيه، لكن الحقيقة ليست كذلك، بل العكس تماماً، فالمذهب الحنبلى أكثر المذاهب توسعاً ومرونة فى الفروع، وقواعده تغلب حكم الإباحة، وتقلص مساحة التحريم.
وأكد الرشيد أنه حين نرجع إلى أصول مذهب الإمام أحمد، نجد فى قواعده الفقهية بابا كبيرا، تندرج عنه فروع وتطبيقات واسعة، هذا المبدأ هو أن الأصل فى العادات والمعاملات الإباحة، والأصل فى العبادات الوقف والحظر، بمعنى أن كل ما يخص شؤون الناس ومعاملاتهم المالية والاجتماعية وغيرها، الأصل فيه أنه مباح وحلال وجائز، ما لم يأت دليل ينص على تحريمه، مدللا بأن ما سُكت عنه فهو عفو،
ولفت إلى أن هذا المبدأ له أثر كبير فى تعزيز مساحة المباح داخل المذهب، وتغليب المرونة الفقهية فى التعامل مع المستجدات، ومن هذا الأصل قواعد فقهية كثيرة، أهمها وأكبرها قاعدة اليقين لايزول بالشك، وهى قاعدة فقهية كبرى بين جميع المذاهب، لكنها وجدت ازدهاراً وثراء عند الحنابلة، وتفرعت عنه قواعد فقهية كثيرة مثل: الأصل براءة الذمة، الأصل بقاء ما كان على ما كان، الأصل فى الأشياء الإباحة، الأصل فى العقود الصحة، الأصل فى الصفات العارضة العدم.
واستطرد:" وصف التشدد الذى يُلصق أحيانا بالحنبلية، المقصود هو دقة المذهب فى باب العقيدة، وباب العبادات، فـ"لا إحداث فى أى عبادة إلا بدليل"، كما أن حرص الحنابلة وعنايتهم بباب العقيدة جعل مذهبهم أقرب إلى أن يكون مذهباً فى العقيدة والفقه معاً، ففى حين تتنوع معتقدات واتجاهات شيوخ وعلماء المذاهب الفقهية الأخرى "المالكية والحنفية والشافعية" فإن المذهب الحنبلى على قدر ما يعبر عن منهج فقهى محدد، فهو يعبر أيضاً بصورة بالغة الوضوح عن أهل الحديث والأثر، السنة والجماعة.