طرح سعيد عكاشة، رئيس وحدة التسليح بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، سؤالا جدليا حول الأهداف الإيرانية التى حددتها الولايات المتحدة الأمريكية لاستهدافها، وفقا لتهديد الرئيس الأمريكى ترامب بعد حادث اغتيال قاسم سليمانى، حيث أشار إلى إنه من الممكن أن تكون الولايات المتحدة هددت باستهداف مدينة "قم" المقدسة.
وقال "عكاشة" فى المقال التحليلى المنشور على موقع المركز :" من الملاحظ أن بنك الأهداف الذي توعد ترامب طهران بضربها، حال سقوط أي ضحايا أمريكيين في الضربات الانتقامية الإيرانية، رغم عدم حديثه عن تفاصيله أو نماذج منه، إلا أنه كان سيشتمل بالضرورة على توجيه ضربات لمصافي النفط، ومجمعات الصناعات العسكرية، وربما بعض مواقع المشروع النووي".
وأضاف:" لكن تبقى كل هذه الأهداف متوقعة من جانب الإيرانيين، وربما لا تخيفهم تهديدات ضربها، أما الهدف الذي ربما أفصح عنه ترامب في رسائله السرية لطهران، والذي أخاف الإيرانيين وعمل على ردعهم، ربما يكون تهديده بضرب مدينة "قم المقدسة".
ويتابع :"يؤكد هذا الاحتمال أن الرئيس الأمريكى قد استعمل تعبير "استهداف مواقع ثقافية" ضمن الأهداف الـ52 التي وعد بضربها في إيران، ورغم أن طهران على لسان وزير خارجيتها جواد ظريف حاولت الإيحاء بأن ما يقصده ترامب بالمواقع الثقافية هي المواقع الأثرية المصنفة دوليًّا على أنها جزء من التراث الإنساني الذي يتمتع بالحماية في القانون الدولي؛ إلا أن الأمر المؤكد أن ترامب لم يقصد هذا المعنى، بل قصد بذلك رمزًا له مغزى سياسي وروحي لدى الإيرانيين، بحيث يمكن أن يؤدي ضربه إلى هزة روحية ونفسية عميقة داخل الشارع الإيراني ودوائر الحكم في إيران على حدٍّ سواء، وهو ما يمكن أن يكون قريبًا من الحرب النفسية شديدة التأثير، كونها ارتبطت باستهداف رموز لها قدسيتها لدى إيران والإيرانيين".
وأشار "عكاشة" إلى 4 أسباب أعتبر من خلالها مدينة "قم" هدفًا مثاليًّا لتحقيق ضربة نفسية وروحية بل واستراتيجية هائلة للدولة الإيرانية، وعلى رأسها:
-1تضم المدينة أكبر وأهم الجامعات والمعاهد الدينية الشيعية في إيران، ويدرس بها عشرات الآلاف من الطلاب، ويسكنها أغلب القيادات الدينية بمن في ذلك مرشد الجمهورية “علي أكبر خامنئي”.
2 - من الناحية الجغرافية تقع “قم” بالقرب من مدينتين حيويتين، هما أصفهان التي تضم أكبر مصافي النفط في إيران، وأراك التي يوجد بها أحد أكثر مواقع المشروع النووي الإيراني سرية وأهمية.
3- تضم المدينة جامعة المصطفى التابعة للمؤسسة الخيرية المعروفة بنفس الاسم، التي تتولى تخريج الكوادر التي تنشط في عشرات الدول التي تستهدف إيران تصدير الثورة إليها. كما أنها الذراع الأهم للتدريب على أنشطة التجسس في الخارج، وكذلك العناصر التي سيتم انتقاؤها للعمل ضمن أجهزة الاستخبارات الداخلية، وخاصة تلك التي تتبع الحرس الثوري الإيراني.
4- تضم المدينة عشرات المزارات والمراقد الشيعية المقدسـة لدى الشعب الإيراني، وأهمها مرقد فاطمة المعصومة بنت موسى الكاظم (الإمام السابع عند الشيعة الاثني عشرية التي تعتبر المذهب الرسمي للجمهورية الإيرانية).
وأضاف :"من المرجح أن قادة إيران قد تلقوا رسالة سرية أمريكية حول تهديدًا مباشرًا بتدمير مدينة قم، وأن القادة الإيرانيين قد أخذوا هذا التهديد بجدية، واختاروا أن يكون ردهم على قتل سليماني رمزيًّا، ولا يؤدي لحفز الولايات المتحدة على رد انتقامي لن يقف عند تهديد أهم المواقع الصناعية والعسكرية؛ بل سيتجاوزه إلى ضرب المقدسات الإيرانية، الأمر الذي يعني تهديدًا مباشرًا لحياة آيات الله المتحكمين في مفاصل النظام، وللقناعات الدينية والروحية لدى الشعب الإيراني".
وتابع :"إذ إن نظام آيات الله كان قد استثمر كثيرًا في خلق وإشاعة أسطورة أن وجود آيات الله والهالة المقدسـة لمدينة قم التي يسكنونها، هي من حمت إيران من العدوان الأمريكي على مدى سنوات، وأن فشل الولايات المتحدة في تحرير رهائنها المحتجزين بسفارتها في طهران عام 1979، وسقوط الطائرات الحربية الأمريكية بعد اصطدامها ببعضها أثناء هذه المحاولة؛ كان إشارة إلهية عما يتحلى به آيات الله من “كرامات” ومعجزات".
واختتم:" ولو صدق هذا الاحتمال بأن إيران تلقت تهديدًا بمحو مدينة قم، فسنكون أمام نموذج مهم من نماذج الحرب النفسية التي يمكن أن تكون عنصرًا مهمًّا وأكثر فاعلية من الحروب التقليدية والحروب السيبرانية في حسم الصراعات، كما أنها ستكون تدشينًا للحروب الثقافية بجوانبها الدينية وغير الدينية".