رغم مرور 50 عاما على رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، إلا أن كراهية جماعة الإخوان للرجل لم تتوقف يوما، لكنهم يكررون أكاذيبهم جيلا بعد جيل حتى توراث أجيال الإخوان عداء عبد الناصر
تتعدد الروايات عن علاقة جماعة الإخوان بعبد الناصر لكن الثابت فيها تاريخيا أن هذه العلاقة تحولت من تعاون وتحالف إلى صدام عنيف، وكراهية من جانب التنظيم الإخوانى.
بداية المعارك
فى (9 سبتمبر 1952)، أقل من 50 يوما، أصدر مجلس قيادة الثورة قانون الإصلاح الزراعى بتحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان وتوزيع الباقى على فقراء الفلاحين، إلا أن حسن الهضيبى مرشد الإخوان وقتها عارض هذا القانون، وطلب من عبد الناصر أن يكون الحد الأقصى 500 فدان للفرد بحسب ما يقول الدكتور عاصم الدسوقي، المؤرخ وأستاذ التاريخ المعاصر.
الخلاف يشتعل بين الطرفين
وزاد من الأمر سعى قيادة ثورة 23 يوليو لإقامة تنظيم سياسى شامل أطلقت عليه اسم هيئة التحرير، وهو ما أثار احتجاج المرشد العام «الهضيبى» وقوله لعبد الناصر: ما هو الداعى لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الإخوان قائمة.
وفى اليوم التالى لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبى بياناً وزعه على جميع ُشُعَب الإخوان فى المحافظات، وقال فيه: إن كل من ينضم إلى هيئة التحرير يعد مفصولاً من الإخوان.
حل الجماعة
ثم بدأ هجوم الإخوان الضارى على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيرى منظمة الشباب، وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصى وإحراق السيارات فى الجامعات يوم 12 يناير 1954م وهو اليوم الذى خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة
فى اليوم الثانى كان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين قد صدر فى 13 يناير 1954
وتصاعدت حدة الصدام والصراع بين ناصر والإخوان حتى وصلت ذروتها فى العام 1965 بعدما بات واضحا أن ناصر سحب البساط من قواعد الإخوان الشعبية بإنجازاته الاجتماعية والاقتصادية على الأرض، فقد أممت مصر قناة السويس وبدأت فى بناء السد العالى، وحققت الخطة الخمسية الأولى 1960 - 1965، فضلا عن تبنى عبد الناصر لمشروعات حقيقية للنهضة.
المرواغة منهج الإخوان
خلال فترة توتر العلاقة بين الإخوان والثورة ذهب أحد أقطاب الجماعة وهو عبدالمنعم خلاف إلى القائم مقام أنور السادات فى مقر المؤتمر الإسلامى للتحدث معه بشأن الإخوان، مشيراً إلى أن مكتب الإرشاد قرر بعد مناقشات طويلة إيفاده إلى جمال عبدالناصر فرد عليه أنور السادات قائلاً: هذه هى المرة الألف التى تلجؤون فيها إلى المناورة بهذه الطريقة، فخلال السنتين الماضيتين اجتمع جمال عبدالناصر مع جميع أعضاء مكتب الإرشاد بمن فيهم المرشد العام حسن الهضيبى، ولم تكن هناك أى جدوى من هذه الاجتماعات، لأنهم كما قال عبدالناصر يتكلمون بوجه، وحينما ينصرفون يتحدثون إلى الناس وإلى أنفسهم بوجه آخر.
ويقول السادات فى مذكراته قائلاً: «كان عندى وفى مكتبى الأستاذ خلاف يسأل عن طريقة للتفاهم.. وفى مساء اليوم نفسه كانت خطتهم الدموية ستوضع موضع التنفيذ أى يوم الثلاثاء.. كان هذا اليوم نفسه هو الذى ضربته موعداً لكى يقابل فيه جمال عبدالناصر الأستاذ خلاف موفد مكتب الإرشاد.
كانت تلك نقطة التحول والتى شن بعدها جماعة الإخوان حربا ضروسا على عبد الناصر.
محاولة اغتيال الزعيم
كان عبدالناصر يلقى خطاباً فى ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954م فى احتفال أقيم تكريماً له ولزملائه بمناسبة اتفاقية الجلاء، وعلى بعد 15 متراً من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبداللطيف عضو الجهاز السرى للإخوان، وما إن بدأ عبدالناصر خطابه حتى أطلق السباك الإخوانى 8 رصاصات صوب عبدالناصر، وأصاب معظمها الوزير السودانى ميرغنى حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية أحمد بدر الذى كان يقف إلى جانب ناصر، وعلى الفور هجم ضابط يرتدى زيا مدنياً اسمه إبراهيم حسن الحالاتى الذى كان يبعد عن المتهم بحوالى أربعة أمتار، وألقى القبض على السباك محمود عبداللطيف وبحوزته مسدسه، وبدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين ثورة 23 يوليو وتنظيم الإخوان المسلمين!
زاد من تعقيد الموقف أن التحقيقات فى الحادث كشفت سفر المرشد العام حسن الهضيبى إلى الإسكندرية قبل يوم واحد من محاولة الاغتيال، ثم ظل مختفياً منذ الحادث لفترة طويلة، وعندما صدر الحكم ضده وضد المرشد العام بالإعدام وتم تخفيف الحكم على الأخير إلى السجن مع وقف التنفيذ، ظهر الهضيبى إلى السطح من خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبدالناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة.
مؤامرة 1965
عام 1965 كان بمثابة ذروة الصدام بعدما تم الكشف عن أبعاد مؤامرة إخوانية كبرى ضد نظام الرئيس عبدالناصر، حيث كان للتنظيم الإخوانى أجهزته السرية، ومن بينها جهاز لجمع المعلومات الاستخبارية وآخر للاستطلاع وثالث لجلب المراسلات والأموال من الخارج، ورابع لشراء السلاح وتخزينه فى القاهرة، بالإضافة إلى خلايا لتصنيع وضخ المواد الناسفة والمواد الحارقة، وأخرى من المهندسين لمعاينة الأماكن التى سيتم نسفها وبيان إمكانية التنفيذ، ووضع التنظيم خططاً لنسف عدد من الكبارى والمصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومبنى التلفزيون وبعض مراكز البوليس ومنازل كبار ضباط الأمن والمباحث العامة بقصد إحداث شلل عام فى جميع المرافق، فيما أعدت خرائط تم ضبطها لهذه المواقع كلها، وتكليفات بحق عدد من دور السينما والمسارح والمتاحف لإحداث ذعر، ليتقدم التنظيم بعد ذلك إلى الحكم بغير معارضة.
قال أحد قادة التنظيم المتورطين فى مؤامرة عام 1965م أمام المحكمة.. «كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من الفوضى والذعر، وهذا قد يؤدى إلى سقوط النظام ليقوم محله مجتمع الإسلام، وكانت هناك أكثر من خطة لاغتيال جمال عبدالناصر، واحدة منها أثناء موكبه الرسمى فى القاهرة أو فى الإسكندرية، وكان هناك من يراقب سير الموكب فى أماكن مختلفة، كما وضعت خطة أخرى لنسف القطار الذى يستقله عبدالناصر فى طريقه إلى الإسكندرية للاحتفال بعيد الثورة، وثالثة لاغتياله فى شارع الخليفة المأمون، وهو فى طريقه إلى بيته فى منشية البكرى بشمال القاهرة.
بحسب اعترافات القيادى الإخوانى فقد كانت الخطط معدة أيضاً لاغتيال المشير عامر ونواب رئيس الجمهورية، وعدد آخر من المسؤولين.
صحيفة الأهرام أثبتت بالوثائق فى عددها الصادر يوم 10 ديسمبر 1965م صلة حلف بغداد بتوجيه وتمويل النشاط الإرهابى لتنظيم الإخوان المسلمين وكان سعيد رمضان، وهو حلقة الوصل بين قيادة التنظيم ومموليه فى الخارج، قام بتحركات مريبة وتنقل عدة مرات بين بيروت وطهران وبعض العواصم الأوروبية، وكان يسافر بجواز سفر دبلوماسى أردنى كسفير متجول للمملكة الأردنية الهاشمية.
وعقب كشف مؤامرة 1965 أصدر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر بياناً حول رأى الإسلام فى مؤامرات الإخوان قال فيه: إن منظمات الدمار استطاعت أن تشوه تعاليم الإسلام فى إفهام حفنة من الناشئين أن الدعوة للإسلام تتم بالإكراه أو الإرهاب»، وتساءل شيخ الأزهر قائلاً: كيف يدعى شخص أنه يخدم الإسلام ثم يستعين بأعداء الإسلام ضد المسلمين