أصدر منتدى المحررين المصريين، بيانه الدورى، حول المؤسسات الاعلامية، مؤكد أنه لا تكاد تخلو مؤسسة اعلامية الآن من هذه الاسئلة، تستوى في ذلك وسائل الإعلام المصرية مع الاوربية والامريكية، أو حتى الهندية التي تحقق معدلات نمو غير معتادة، عكس ما يحدث في كل دول العالم.
وقال المنتدى: يبدو أن المعضلة الكبرى في التحدي الذي يواجه وسائل الإعلام التقليدية -سواء الصحف أو حتى القنوات التليفزيونية رغم أن تحولها الرقمي أسهل كثيرا من الصحف- يكمن في أن قصص النجاح والتجارب السابقة ليست كثيرة، وهي أيضا ليست قديمة أو مستقرة حتى يطمئن لها بشكل كامل ونسير على دربها بحذافيره.
وتابع : مع ذلك لا يمكن إلا أن نحترم كل تجربة جديدة، وكل مؤسسة جريئة أخذت خطوة وتحركت من مكانها، مدفوعة بواقع يستحيل أن يستمر وتستمر فيه، متجهه لمستقبل يحمل الكثير من الفرص وأيضا التحديات. لذا فالأمر يستحق أن نلتقط كل تجربة ونرصدها ونوجه عليها عدساتنا المقربة لعلها تفيد وترشدنا لطريق البقاء والاستمرار. وإليكم هذه التجربة الطازجة:
"ذي إندبندنت"
كلنا يعلن انها أغلقت نسختها المطبوعة مضطرًا لذلك بعد خسائر سنوية كبيرة.. اللافت في الأمر أن بعد قراراها الجريء ولكن المدروس -كما سنعرف- عادت للربح بعد أقل من 6 أشهر، كيف فعلت ذلك.. هذا السطور ربما تجيب.
من الهام أن نعود قليلا للوراء على طرقة "فلاش باك، ونتذكر ما قاله مالك شركة "إي اي آي ميديا" صاحبة الصحيفة "ايفجيني ليبيديف" في رسالة إلكترونية إلى العاملين :"اليوم نعلن قرارًا تاريخيًا، في وقت يقرأ صحافتنا مزيد من الناس في أماكن أكثر من ذي قبل، اليوم نتبنى المستقبل الرقمي حصرا".
وهو مصير وقرار بشر به قبل فترة الكاتب والمحاضر "روي جرينسليد"، في كتابة "هل حصلت الصحف على المستقبل". ويقول "ليس للصحف مستقبل في ظل انخفاض أرقام التوزيع التي تخبرنا أن الناس آخذة في التحول من الطباعة إلى الشاشة، وإنها مسألة وقت حتى يصبح من غير المربح مواصلة طباعة أوراق الصحف".
لماذا قرار الإندبندنت؟
انظروا معي، خسائر سنوية وصلت الي 4.1 جنيه استرليني في أخر عام، وكانت مرشحة للزيادة في نهاية 2016، نسختها المطبوعة تضاءلت حتى وصلت الي 58 ألف نسخة في العدد اليومي، و97 الف نسخة للعد الأسبوعي يوم الأحد، وهو رقم ضعيف مقارنة بعدد سكان بريطانيا 65 مليون، وهو أيضا منخفض بنسبة 85% عن أعلى رقم وصلت له الصحيفه اللندنية عام 1990. ملحوظة: ( في مصر 92 مليون نسمة، وهناك بعض صحف اليومية توزع 10% من توزيع الاندبندنت).
أضف لذلك، أن العديد من مواردها البشرية تقادمت، وكان أمامها إما الاختيار بين التركيز على الماضي ومحاولة اصلاحه، أو التفكير في الحاضر والمستقبل ومحاولة كسبه، لذا قالت مجلس تحريريها بنبرة حماسة في الافتتاحية الأخيرة يوم 26 مارس الماضي :"سنتذكر هذا التحول الجريء نحو الصحافة الرقمية بشكل كامل كنموذج تحتذي به صحف أخرى في العالم".
والآن، ونحن في نوفمبر، هل أوفت بوعدها؟ أو حتى قطعت مسافة لتقترب منه؟
وفقـًا لمالكها الملياردير إفجيني ليبيديف، فالصحيفة الإنجليزية العريقة حققت أرباحا لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عامـًا، بعدما أصبحت الصحيفة الأولى في بريطانيا التي تُغلق مطابعها، وتكتفي بالإصدار الرقمي.
ويقول ليبيديف الروسي الأصل، الذي اشتراها عام 2010 بجنيه استرليني واحد :"التحول الرقمي كان مبررًا بسبب النمو الملحوظ للمتابعة الإلكترونية، والخسائر المتتالة للنسخة المطبوعة، فالقرار كان حتمي وضروري ومتأخر قليلا".
وحسب شركة الابحاث الشهيرة "comScore" فإن نمو عمليات الإندبندنت الرقمية ارتفع بصورة ملحوظة من 15.8 مليون مستخدم في فبراير- قبل غلق النسخة المطبوعة بشهر- إلى 21 مليون في يونيو الماضي.
وهي أرقام أعلى بكثير من معدل نمو السوق البريطاني رقميًا، والذي تتربع على عرشه وفقا لبيانات شركة الأبحاث السابقة، صحيفة دايلي ميل أونلاين "Mail Online"، ولديها أكبر عدد المستخدمين في المملكة المتحدة كصحيفة إلكترونية 24.6 مليون مستخدم في أغسطس الماضي. بينما تلتها الجارديان "The Guardian" بـ 24 مليون مستخدم، ومؤخرا دخلت الإندبندنت ثالثة بعد أن كانت خامسة.
وتُظهر أرقام منفصلة صدرت عن مؤسسة "Audit Bureau of Circulation"، أن الإندبندنت تصفحها 74.3 مليون متابع على الإنترنت في أغسطس 2016 في كل منصاتها الرقمية، (بزيادة سنوية 41%). بينما صفحتها على فيسبوك بها 5 مليون متابع، بفارق 1.3 مليون لصالحها مقارنة بالتليجراف "The Telegraph".
وتقول الشركة التي تصدر عنها الإندبندنت أن عائدات الإعلانات الرقمية لديها زادت بنسبة 45% سنويـًا، وهذا يمثل على الأرجح 20 مليون جنيه إسترليني من الإيرادات في 2016، مقارنة مع خسائر مؤكدة من الاستمرار في نسختها المطبوعة.
ولكن، كيف فعلت ذلك.
كانت الإندبندينت التي تأسست عام 1986 صرحت وقت قرارها بغلق نسختها مطبوعة، بأنها مع طاقم أصغر سنـًا، ورواتب أقل، ودون تكاليف طباعة أو توزيع، لديها مستقبل مستقر على المدى الطويل.
وهذا يعنى أنها قررت أن تهيكل ماضيها مع النسخة المطبوعة. وكان تحديها الأول يكمن في التعامل بعدالة وحرفية مع فريق العمل القديم، لم يكن لديها خيارات كثيرة، أم أن تبقى الأوضاع على ما هي، وتغرق المؤسسة ويغرق كل من فيها، أو تبقي البعض وتستغنى عن البعض، وذلك طبعا فقا لمعايير تقييم وتدريب وتهيئة، ومع تطبيق هذا الحل المر ضخت دماء جديدة.
وأكدت أنها تعمل على الانتقال إلى "مستقبل رقمي فقط"، وأعلنت الاستغناء عن عدد من العاملين في الوظائف التحريرية، وفي المقابل، فتحت الباب أمام 25 وظيفة جديدة للمحتوى الرقمي.
"من خلال الاكتفاء بالنسخة الرقمية فقط، حررنا أنفسنا من البني التحتية غير العملية للطباعة، وسمحنا لأنفسنا بالمزيد من المرونة." هذا كان رد ليبيديف مالك الصحيفة بعد أن بدأ بجنى الأرباح.
وأضاف: "لايزال الوقت مبكرًا جدا للحكم على التجربة، ولكن الشهور الستة الأولى أظهرت أنه عندما نكون أكثر فطنة وتركيزًا على النسخة الرقمية، يمكننا خدمة جمهور رقمي جديد أكبر بكثير." وقال بسعادة "إننا نحقق أرباحـًا لأول مرة منذ 23 عامـًا، مما يجلب معه فرصـًا جديدة".
أسواق جديدة وتوسع أفقي
الهيكلة الداخلية+ والتخلص من اعباء الطباعة+ضخ دماء جديدة+التركيز الرقمي لم تكن وحدها خلطة السر، يمكن أن نضيف هنا عشرات التفاصيل، الخاصة بنظام نشر حديث CMS قام بتطويره فريق تقني وأيضا تحريري، ومنظومة إعلانات رقمية متشعبة وممتدة مع شركاء جدد، وأيضا لتوسع لأسواق أخرى عديدة مثل أمريكا، فاللغة الانجليزية هي اللغة العالمية الأولى بعدد متحدثين يصلوا لحوالي 1.5 مليار شخص.
سر خلطة الإندبندنت لو جاز التعبير يكمن في أنها خلطة شخصية مخصوصة Customization تم تفصيلها لتناسب مشاكل وتحديات هذه الصحيفة بالذات، بالطبع يمكن أن نستفيد من تجربتها وبعض قراراتها، ولكن لا يجب أن نقلدها بصورة عمياء.
يمكن أن نستفيد مثلا من توسع هذه الصحيفة الانجليزية نحو جمهور كبير يتحدث بلغتها واسعة الانتشار (وإن كانت اللغة ليست عقبة كبيرة الآن في ميديا المستقبل)، وهذا يقابله فرصة مشابهة للمؤسسات الإعلامية المصرية، حيث يوجد أكثر من 300 مليون يتحدثون اللغة العربية، نصفهم على الأقل لديه Access على الإنترنت.. فكم مؤسسة إعلامية مصرية قررت أن تخوض وتتوسع أو تتحالف وتجرب اختراق هذه الأسواق ؟!.