فى ذكرى ميلاد "عندليب الصحافة" محمود عوض ..رجل مهم فى زمن تافه

"يحدث أحيانًا أن تختار المجتمعات بأكملها راحة البال.. مضحية في ذلك بضرورة التطور.. يحدث أحيانًا أن تستلم مجتمعات بأكملها لمرض اسمه الرضاء عن النفس.. وفي مثل تلك اللحظات يحتاج كل مجتمع إلى عدد من أعضائه يقومون بمهمة دق جرس الخطر.. جرس الإنذار.. الإنذار ضد خطر الاستسلام للأمر الواقع، والرضا بما هو قائم، والإيمان بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان».

تنطبق هذه السطور المكتوبة في كتاب «متمردون لوجه الله» على مؤلفه الذي يعشق مهنته فيتزوجها حتى الممات، ويخلص لها فتعطيه حب من يقرأ له.. فأسلوبه مميز في الكتابة.. متفرد في سرده.. فهو يغرد بكلماته ويؤمن بمبدأ أن «من يصبح حرًا مرة.. يظل حرًا طوال العمر».

هذا الرجل يبحث عن الحرية يدافع عنها بقلمه الذي «أحبه ودفع ثمنه مبكرًا».. يشتهر بلقب «عندليب الصحافة المصرية».. بل ويصفه أبرز تلاميذه، الإعلامي يسري فودة، بكونه «رجلاً مهمًا في زمن تافه».. إنه محمود عوض .

وجه يحمل من سمرة بلاده، ابتسامة مرسومة في صوره رغم ألمه، كلمات أبت النسيان تركها بين مؤلفاته، وتلاميذ لم يلتقوا به لكنهم بقوا على العهد معه، يرجعون إلى مؤلفاته بين الحين والآخر، كلماته تعيش بينهم، لا تزال تنبض بروحه التي يعرفها كل صحفي رأى في المهنة سبيلا لكلمة الحق، لم يخشَ في صناعتها الكاتب الصحفي محمود عوض إلا الله.

في مثل هذا اليوم في عام 1942 ولد محمود عوض، تسرب إلي قلبه حب القراءة منذ الصغر، لم يكن الكاتب الذي عرف فيما بعد بعندليب الصحافة إلا عاشقا في محراب الكلمة، كادت أن تدفعه إلى الرسوب لولا وعد قطعه على نفسه لأبيه، بأن يصير تلميذا متفوقا، ليبقى الصبي ابن محافظة الدقهلية على العهد، ويتلقى الأب خطابا من وزير التعليم آنذاك يضم شيكا بمبلغ 25 جنيها لتفوق ابنه، ويرحل الأب عن ابنه بعد أن أطمئن على مصير الصبي.

ورغم بوادر عشقه للكتابة والأدب، لكن "عوض" التحق بكلية الحقوق، رفض الالتحاق بالنيابة وقرر الاشتغال بالصحافة، ملتحقا بأخبار اليوم التي تقرب فيها من مصطفى وعلى أمين مؤسسي الجريدة، تدرج في سلم صاحبة الجلالة بأسلوب متميز وشيق، وبساطة كلمات لم تخرج عن انحيازه لهموم المواطن المصري، ملتزما بتوجه قومي عربي، وأصبح رئيسا لتحرير الأخبار وهو لم يكمل عامه الثلاثين بعد.

تقرب "عوض" بحكم عمله من أشهر المطربين والأدباء، كتب عن "طه حسين" ملقبا إياه بالمصري، وألف كتابين شهرين هما "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" و"عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد"، كشف فيهما أوجه خفية في حياة موسيقار الأجيال وسبدة الغناء العربي، ومتحدثا عن طفولتهما، شبابهما، عادتهما بداخل منزليهما، كما كتب المسلسل الإذاعي الوحيد لعبد الحليم حافظ بعنوان "أرجوك لا تفهمنى بسرعة"، حتى عرف بكاتم أسرار عبد الحليم.

لقاءات إعلامية تكاد تكون نادرة، ومقالات زهيدة عن "عوض"، لم يعرف - الذي لقبه "إحسان عبد القدوس" بعندليب الصحافة- الطريق للاقتراب من نخبة أو جاه، رغم معرفة نجو الفن والصحافة والادب الطريق إلى بيته، اختار طريق المعارضة بمقولته في كتاب أفكار ضد الرصاص "الأسماك الميتة فقط هي التي تسبح مع التيار"، ليعرف بأنه الصحفي صاحب القضية.

ولوفاة عوض قصة درامية لا تقل دراما عن حياته الصحفية، حين لاحظ أحد أصدقائه أنه لم يذهب لموعده مع أحد الأطباء لعلاجه من كدمات، بعد أن أصيب بها بسبب انزلاقه وسقوطه أرضا، فذهب هذا الصديق إلى منزل "عوض" للاطمئنان عليه، ليجد أن صحف الجمعة ملقاة كما هي أمام باب شقته، فاستدعى الشرطة، حيث عثر على عوض ميتا أمام غرفة مكتبه، حتى شيعت جنازته في 30 أغسطس 2009 من جامع عمر مكرم في القاهرة، ودفن بمقابر عائلته بالدقهلية.

ولـ"عوض" رؤية في استبداد الحكام والشعوب حيث يرى أنه "لكي يستمر الاستبداد لا يكفي أن يوجد حاكم مستبد أو حكومة مستبدة، لابد أيضا من شعب يقبل هذا الاستبداد، لابد من إنسان يريد أن يسلب حرية غيره، وإنسان آخر يقبل النزول عن حريته لغيره"، وقال في كتابه "متمردون لوجه الله " "إن التاريخ يخبرنا بأن كل الانجازات الرائعة في حياتنا الآن.. تمت بفضل أناس تمردوا في الماضي".

من مؤلفاته " أفكار ضد الرصاص، متمردون لوجه الله، بالعربي الجريح، اليوم السابع: الحرب المستحيلة.. حرب الاستنزاف، وعليكم السلام، من وجع القلب، محمد عبد الوهاب الذي لا يعرفه أحد، شخصيات، ممنوع من التداول، سياحة غرامية، سري جدا، مصري بمليون دولار".




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;