العمل على إصدار قانون تنظيم الفتوى أصبح ملفًا ملحًا بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بسبب ما نشهده ما بين فترة واخرى من فتاوى شاذة تصدر من البعض وتُحدث حالة من الارتباك فى وسائل الإعلام، وأحيانا ما يتم تداولها ونقلها فى الصحف الغربية، بوصفها فتاوى صادرة من شيوخ مصر، وهو ما يستدعى فى المقابل أن يتخذ الأزهر خطوات لتوضيح الموقف أو معاقبة صاحب الفتوى وغيرها من الإجراءات .
وعلى خلفية ذلك طالب الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف، بضرورة سرعة إصدار قانون تنظيم الفتوى، وأن يحدد القانون مواصفات المفتى، وكذلك العقوبات ضد من يصدرون أى فتاوى شاذة على المجتمع، وخلال المؤتمر العالمى لدار الإفتاء الذى أنعقد الأسبوع الماضى ، تم تخصيص جلسة كاملة حول هذا الملف، وخلالها تحدث الدكتور أسامة العبد رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، الذى أكد خلال هذه الجلسة إن القانون عل وشك الصدور، واصفًا الفتوى بأنها "صنعة" لابد لها من صانع ماهر مدرب ومتقن لأمور الدين وعليم بالفقه وواعيًا بأمور الواقع الذى يعيش فيه، مضيفًا أنه يجب محاسبة من ينشر الفتاوى الشاذة غير المبنية على الأسس الدينية الصحيحة كفتوى جماع الزوج مع زوجته بعد وفاتها، مضيفًا أن هذه الفتاوى دليل على فراغ قلب المسلمين وعدم تعلقهم بالله وبالمنهج الإسلامى الصحيح .
حسب دار الإفتاء المصرية فهناك شروط لمن له الحق فى إصدار الفتوى والصفات التى يجب أن تتوافر فى المفتى والتى يجب أن يبتعد عنها وهى :
أولا الشروط الواجب توفرها:
- الإسلام:
فلا تصح فتيا غير المسلمين
- العقل:
فلا تصح فتيا المجنون.
- البلوغ:
وهو أن يبلغ من يفتي الحُلمَ من الرجال، والمحيض من النساء، أو يبلغ خمسة عشر عامًا أيهما أقرب؛ لأنه لا تصح فتيا الصغير والصغيرة.
- العلم:
الإفتاء بغير علم حرام؛ لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس، وهو من الكبائر، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33]،
. التخصص:
وأكدت دار الإفتاء، إن التخصص أحد الشروط التى يجب توافرها فى المفتى، بمعنى أن كل من يتعرض للإفتاء لابد أنه قد درس الفقه والأصول وقواعد الفقه دراسةً مستفيضةً، وله درب فى ممارسة المسائل وإلمام بالواقع ، ويفضل فى العصر الحالي أن يكون قد نال الدراسات العليا من جامعات معتمدة في ذلك التخصص، وإن كان هذا الشرط هو مقتضى شرط العلم والاجتهاد، فإن العلم بالفقه والاجتهاد فيه يقتضي التخصص، ولكن طريقة الوصول إلى هذه الدرجة تحتاج إلى ما ذكر، وإنما ذكرنا التخصص شرطًا منفصلا رغم اندراجه في شرط العلم والاجتهاد لحسم فوضى الفتاوى التي تثار هنا وهناك ممن لم يتخصص في علم الفقه والأصول، ويعترض ويناظر على فتاوى ما درس مبادئها الفقهية، وأصولها، ولقد تكلم في أهمية التخصص في الفقه العلماء القدامى.
وقد وجدنا في عصرنا الحاضر أناسًا غير متخصصين تصدوا للإفتاء، رغبة فى الشُّهْرَةِ أو المال أو غير ذلك، دون أن يستكملوا شروط الإفتاء، وهذا أمر فيه كثير من الخطورة، وقد قالوا قديما: من تصدَّر قبل أن يتعلم كمن تزبب قبل أن يتحصرم، أي: صيَّر نفسه زبيبًا، قبل أن يصل إلى حالة النضج.
العدالة:
واوضحت دار الإفتاء ان المقصود بالعدالة ، هو أن يكون الشخص ، ليس بفاسق ، والعدل هو من ليس بفاسق وليس مخروم المروءة، موضحة أن خرم المروءة تعني الخروج عن عادات الناس فيما ينكر ويستهجن، كأن يسير في الطريق حافيًا مثلا أو غير ذلك من السلوكيات التي تستهجن في المجتمع، فلا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء.
وأشارت الدار أيضا إلى تصنيف بعض اصحاب الفتاوى بـ "ـالمبتدعة" حيث أكدت أنه فى حال كانت بدعتهم مكفرة أو مفسقة لم تصح فتاواهم، قال الخطيب البغدادي: "تجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، وأما الشراة والرافضة الذين يشتمون الصحابة ويسبون السلف فإن فتاويهم مرذولة وأقاويلهم غير مقبولة."
الاجتهاد:
لابد أن يبذل المفتى الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المعتبرة، وليس المقصود هو أن يبذل العالم جهدًا ملاحظًا قبل كل فتوى، وإنما المقصود بلوغ مرتبة الاجتهاد، والتي قال الشافعي عنها فيما رواه عنه الخطيب: لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يفتي في دين الله، إلا رجلا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن.
بصيرًا باللغة والشعر
وأكدت دار الافتاء أيضا انه لابد أن ويكون بصيرًا باللغة، وبصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.
جودة القريحة:
وهو ما يعنى أن يكون كثير الإصابة، صحيح الاستنباط، وهذا يحتاج إلى حسن التصور للمسائل، وبقدر ما يستطيع المجتهد أن يتخيل المسائل بقدر ما يعلو اجتهاده، ويفوق أقرانه، فهو يشبه ما يعرف في دراسات علم النفس بالتصور المبدع، وهو علم ينبغي أن يضاف في أسسه إلى أصول الفقه، حيث إنه وسيلة للاجتهاد خاصة في عصرنا الحاضر، ولذلك كله لا تصلح فتيا الغبي، ولا من كثر غلطه، بل يجب أن يكون بطبعه قوي الفهم لمقاصد الكلام ودلالة القرائن، صادق الحكم، وقال النووي: شرط المفتي كونه فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح النظر والاستنباط.
الفطانة والتيقظ:
يشترط في المفتي أن يكون فطنًا متيقظًا ومنتبهًا بعيدًا عن الغفلة، بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم، بل يكون حذرًا فَطِنًا فقيهًا بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع، وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل، وباطنها مكر وخداع وظلم.
وحددت دار الإفتاء عددًا من الشروط السلبية التى يجب ألا تكون موجودة فى أى مفتى :
1- لا يشترط في المفتي الذكورية إجماعًا، فتصح فتيا المرأة.
2- لا يشترط في المفتي الحرية، فتصح فتيا العبد.
3- لا يشترط النطق اتفاقًا، فتصح فتيا الأخرس ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة.
4- لا يشترط البصر، اتفاقًا فتصح فتيا الأعمى، وصرح به المالكية.
5- أما السمع، فقد قال بعض الحنفية: إنه شرط فلا تصح فتيا الأصم وهو من لا يسمع أصلا، وقال ابن عابدين: لا شك أنه إذا كتب له السؤال وأجاب عنه جاز العمل بفتواه، إلا أنه لا ينبغي أن يُنَصَّب للفتوى؛ لأنه لا يمكن كل أحد أن يكتب له، ولم يذكر هذا الشرط غيرهم.
من واجبات المفتي: مراعاة الأعراف والعوائد:
الأعراف الخاصة بكل بلد ، والعادات الخاصة بأهلها احد أركان الفتوى الهامة ، وفقا لما اكدت درار الافتاء ، حيث أكدت أنه قد يكون المفتي عالمًا بأحكام الشريعة بالقدر اللازم للإفتاء، لكنه مع هذا مقصِّر في معرفة الأعراف والعادات الخاصة ببلد المستفتي ولها تأثير في الحكم؛ لذا نص علماء الفتوى على أنه يحرم على المفتي أن يفتي في الأيمان والأقارير ونحوها من الأحكام التي تنبني الفتوى فيها على العرف من غير أن يكون عارفًا بعُرف البلد التي ينتمي إليها اللافظ.
فهناك أحكام تنبني فيها الفتوى على العرف السائد في البلد التي ينتمي إليها اللافظ بالكلام، ولو كان هذا العرف مخالفًا للحقيقة اللغوية؛ فإنَّ العرف قرينة حالية يتعين الحكم بها، ويختل مراد اللافظ مع عدم مراعاتها، وكذا فقد كل قرينة تعين المقصود
أن يعلم انطباق الحكم على الواقعة المسئول عنها:
بمعنى أن يتحقق المفتى قبل إصدار الفتوى لمطابقتها مع الواقعة التى يسال فيها صاحب الفتوى ، خاصة ان كل واقعة لها خصوصية قد لا تكون موجودة فى غيرها ، وبالتالى قد لا ينطبق عليها نفس الفتوى