التشريعات القانونية لم تحدد تعريفا واضحا للجريمة التأديبية، حيث أشار المشرعون خلال وضع التشريعات القانونية إلى مجموعة من الأفعال التى تعتبر فى حال ارتكابها من قبل الموظف العام جريمة تأديبية، حيث تم تحديد بعض الواجبات التى يفترض على كل من يشغل وظيفة عامة بالدولة أن يحترمها ولا يتجاوزها، كما تم تحديد أيضا بعض التصرفات التى يحظر إتيانها من جانب العاملين بالدولة، وفى حال تجاوز الموظف العام هذه الواجبات أو ارتكب أيا منها، عرض نفسه للمساءلة التأديبية، ونصت مواد القانون فى هذا الشأن بنص المادة على أن "كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها فى هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته يعاقب تأديبيا".
الفقهاء اختلفوا ايضا فى تحديد أركان الجريمة التأديبية بصورة عامة، فراح كل فقيه قانونى يفسر تحديد أركان الجريمة التأديبية بحسب رأيه الخاص، فمنهم من رأى أن الجريمة التأديبية تقوم على عنصرين أساسين، هما الموظف العام، والخطأ أو الذنب الإدارى الذى يرتكبه أو يبدر من قبل الموظف، ومنهم من حدد الجريمة التأديبية على ركنين، الركن الأول الركن المعنوى والثانى الركن المادى، أما الرأى الراجح والذى يتم على العمل بمقتضاه، يحدد الجريمة التأديبية ضمن الأركان نفسها فى أية جريمة أخرى وهى الركن الشرعى والركن المادى والركن المعنوى وللطبيعة الخاصة التى تتميز بها الجريمة التأديبية يكون الركن الثالث فيها ركن الصفة، فالركن المادى يتعلق هذا الركن بماديات الجريمة ومظهرها الخارجى فلا خلاف فى عدم قيام أية جريمة تأديبية أو غيرها من دون توافر هذا الركن، ولكى يكون فعل الموظف مسوغاً للمساءلة التأديبية يجب أن يكون محددا وثابتاً فلا قيام للركن المادى استناداً للظن أو الشائعات، لذلك فإن الاتهامات العامة أو النعوت المرسلة لا يمكن تعتبر مكونة لهذا الركن، كما أن مجرد التفكير من دون أن يتخذها هذا التفكير مظهراً خارجياً ملموساً لا يشكل مخالفة تنجيز المساءلة التأديبية، وبالمثل فأن الأعمال التحضيرية التى تتمثل فى إعداد وسائل تنفيذ الجريمة، ولا يعاقب عليها إلا أنها قد تعتبر فى حد ذاته جريمة تأديبية مستقلة.
بالركن المعنوى:
وهو الإرادة الآثمة للموظف الذى يرتكب الفعل أو الترك الذى يشكل إخلالاً بواجبات الوظيفة ومقتضياتها، إذ لا يكفى للمساءلة التأديبية أن يرتكب الموظف ما يعتبر منه مخالفة لواجب وظيفى، وإنما يجب أن يتوافر عنصر نفسى واع يتجه إلى ارتكاب الفعل أو الامتناع وهذا العنصر هو الإرادة الآثمة أو الركن المعنوى.
والركن المعنوى فى الجريمة التأديبية يختلف فى الجريمة العمدية عنه فى جريمة الخطأ، ففى الجريمة العمدية لا يكفى أن يحيط الموظف علماً بالفعل الذى يرتكبه وإنما يجب أن يقصر تحقيق النتيجة المترتبة على تصرفه.
أما بالنسبة للجريمة غير العمدية أو جريمة الخطأ فيتمثل الركن المعنوى فى تقصير الموظف وعدم اتخاذه الحيطة والحذر اللازمين لأداء واجباته الوظيفية، ويكون بانصراف إرادة الموظف إلى ارتكاب العمل من دون الرغبة فى النتيجة المترتبة عليه. ولابد لارتكاب الجريمة سواء كانت جنائية ام تأديبية من توافر الركن المعنوى فإذا تخلفت بأن انعدمت إرادة الموظف لقوة قاهرة أو مرض أو إكراه أو أمر رئاسى مكتوب فلا قيام للجريمة، فالإرادة الآثمة لا تعنى أكثر من أن الموظف قد ارتكب الفعل أو الامتناع من دون عذر شرعى.
الركن الشرعى
أما الركن الآخر للجريمة التأديبية، فهو الركن الشرعى ويقصد به خضوع الفعل للجرائم وتعلق صفة عدم المشروعية به، وتعتبر الأفعال المكونة للذنب التأديبى غير محددة على سبيل الحصر، وإنما مردها الإخلال بواجبات الوظيفة ومقتضياتها لا غير، كما يعتبر المبدأ فى الجرائم التأديبية أن الموظف يعاقب إذا خالف القواعد والواجبات الوظيفية المنصوص عليها فى القانون، فالمشروعية فى مجال الجرائم التأديبية لا تقتصر على النصوص القانونية وإنما تلعب فيها أحكام القضاء الإدارى دورا كبيرا يفوق دور النصوص القانونية، فالنصوص القانونية التى تحدد الواجبات الوظيفية وتعاقب عند الإخلال بها وأحكام القضاء التى تمارس رقابتها على تطبيق هذه النصوص كفيلة لتقرير مبدأ شرعية الجرائم التأديبية.