لم يكن يعلم حسانين حسن سائق الـ"توك توك" الذى لم يبلغ الثلاثون عامًا من عمره، أنه سيكون الشاهد الرئيسى، ودليل الإدانة الذى سيكشف لغز واحدة من أغرب القضايا التى شهدتها مصر، خلال السنوات القليلة الماضية، والتى عرفت إعلاميًا بـ"أطفال المريوطية".
فى صباح إحدى أيام شهر يوليو العام الماضى، استيقظت الأهالى بمنطقة المريوطية بالهرم، على خبر العثور على جثث 3 أطفال تبدوا متفحمة، ملقاة بجوار سور إحدى الفيلل، وبدأت أجهزة الأمن التحرى حول الواقعة، لكشف اللغز الذى حير الجميع فى ذلك الوقت، خاصةً بعدما ترددت إشاعات مفادها أن وراء الواقعة عملية سرقة أعضاء.
النيابة العامة انتقلت إلى مكان الواقعة، وناظرت جثث الأطفال الثلاثة، الذى لم يتجاوز عمر أكبرهم سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، وأمرت بعرضهم على مصلحة الطب الشرعى؛ لتوقيع الكشف الطبى عليهم وتشريحهم، لبيان أسباب وفاتهم، وبدأت أجهزة الأمن فى التحرى حول الواقعة، والاستماع لأقوال الشهود، الكل يعمل على قدم وساق؛ لكشف اللغز.
فى ذلك الوقت كان "حسانين حسن" سائق الـ"توك توك"، يجلس أمام التلفاز يتابع الأخبار عن كثب، وأثار مشهد الأطفال الذين تم التخلص من جثثهم بإلقائها بجوار سور الفيلا ذهنه، وتذكر تلك التوصيلة التى استقلت فيها سيدتين وطفلة صغيرة الـ"توك توك" بصحبته، وبحوزتهم 3 أكياس بلاستيكية سوداء وسجاجيد، وقرر حينها عدم استكمال الرحلة بسبب الرائحة الكريهة، التى تخرج من محتويات حمولتهم.
أدرك "حسانين" أن تلك الحمولة التى لم يكن يعلم محتواها، ولم يدرى أسباب الرائحة الكريهة المنبعثة من داخلها، هى لهؤلاء الأطفال الضحايا، فقرر أن يكشف كل شيء، فتوجه إلى النيابة وهناك أدلى بشهادته، التى أكد خلالها أنه يوم الواقعة استوقفته سيدة وحملت بمساعدة صديقتها الـ"توك توك" بسجادة ملفوفة وكيسين أسودين كبيرين وكيس أبيض، وبالوصول إلى مكان العثور على الجثامين طلبوا منه التوقف، وأخرجوا المنقولات ووضعوها على الرصيف، ونقلوها لأسفل سور بذات المكان.
كانت شهادة "حسانين" هى القشة التى قصمت ظهر المتهمين فى قضية "أطفال المريوطية"، فبعدما أدلى بشهادته بدأت أجهزة الأمن التحرى حول المكان الذى يقطن فيه المتهمين، وبعد جهود مضنية تمكنت من ضبط كلًا من "سهى" وزوجها "محمد" وصديقتها "أمانى" والدة الأطفال، والذين اعترفوا تفصيليًا بتفاصيل الجريمة التى ارتكبوها.
تبين أن والدة الأطفال الثلاثة وهى المتهمة الأولى فى القضية "أمانى دبدوب"، تركت الأطفال داخل غرفة بمنزلها بالهرم وأغلقتها عليهم بإحكام، وغادرت بصحبة صديقتها المتهمة الثانية "سلوى" إلى مقر عملهم، وعقب عودتها من العمل فوجئت باشتعال النيران داخل الغرفة، ووفاة الأطفال مختنقين جراء الحريق الذى اندلع بالمكان، فقررت التخلص من الجثث بإخفائهم بتلك الطريقة، خوفًا من المسائلة القانونية.
أحيل المتهمين إلى المحكمة التى قضت بحبس المتهمتان الأولى والثانية 3 سنوات، وحبس المتهم الثالث "محمد" زوج المتهمة الثانية"سلوى" بتهمة التستر عليها وإخفائها لمدة عام، وهو الحكم الذى أصبح نهائيًا وبات بعدما أيدته محكمة الجنح المستأنفة بالطالبية والعمرانية.