إبراهيم الهلباوى وأحد من أشهر المحامين فى تاريخ مصر، ربما هو الأشهر على الإطلاق، لتقلده منصب النقيب الأول للمحامين، وعمله على قضايا مثلت جزء لا يتجزء من التاريخ المصرى، كقضية مذبحة دنشواى، والذى اعتبرها وصمة عار فى تاريخه كفر عنها بعد سنوات بدفاعه عن قاتل القاضى الذى أدان أهالى "دنشواى".
ولد إبراهيم الهلباوى فى محافظ البحيرة فى 30 إبريل عام 1858، وكان والده يعمل بالزراعة وتجارة الحبوب، وخلال سنوات دخل كُتّاب المدينة ودرس على يد الشيخ الشامى وانتقلت إلى الأزهر ولبث به سبع سنين.
اتجه "الهلباوى" لسلك القضاء حتى أصبح أشهر محامى القرن الماضى، بسبب قدرته على إقناع العدالة ببراءة موكله، حتى أصبح يضرب به المثل فى ذلك الوقت بين عامة الشعب بجملة "دا أنا اقتلك وأجيب الهلباوى"؛ لكنه ارتكب خطأ فادحًا دفع ثمنه طوال حياته، بعد دفاعه عن الجنود الإنجليز وإدانة الفلاحين المصريين في حادثة دنشواي، بعدها أنخرط فى سلك الكفاح الوطني ليكفر عن ذلك الخطأ.
تضمنت مرافعة "الهلباوى" أمام محكمة "دنشواى"، كلمات قوية ولكنها نزلت كالسوط على أبناء بلده الذين طالما افتخروه به، وزعم فيها:إن الاحتلال البريطاني لمصر حرر المواطن المصري وجعله يترقى ويعرف مبادئ حقوقه المدنية والسياسية وإن هؤلاء الضباط الإنجليز كانوا يصطادون الحمام في دنشواي ليس طمعًا في لحم أو دجاج ولو فعل الجيش الإنجليزي ذلك لكنت خجلًا من أن أقف أدافع عنهم".
ووصف الهلباوي الفلاحين في ادعائه قائلًا:هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالي دنشواي قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنجليز بالعصى والنبابيت وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنجليز 25 عامًا ونحن معهم بكل إخلاص واستقامة.
كان لسان "الهلباوى"_وفقما وصفه صلاح عيسى فى كتابة حكايات من دفتر الوطن_ هو الحبل الذي شنق به "زهران" و"محفوظ" و"يوسف سليم" و"السيد عيسى"، وكان هو الكرباج الطويل ذا الألسنة الثمانية الذى جلد به الأخرون، فقد كانت صورة لن ينساها الشعب المصرى أبدًا.
فى عام 1910 تحين الفرصة لـ"الهلباوى" ليكفر عن خطأه الذي ارتكبه، ففى 20 فبراير من ذات العام أطلق صيدلى شاب أسمه "إبراهيم الوردانى" الرصاص على "بطرس غالى" الرئيس السابق للمحكمة التى أصدرت أحكام "دنشواى"، فقرر "الهلباوى" الترافع عنه وقال فى مرافعته:"جئت للدفاع عن قاتل القاضي الذي حكم على أهالي دنشواي بالإعدام، جئت مدافعًا أستغفر مواطنينا عما وقعت فيه من أخطاء شنيعة، اللهم أني أستغفرك وأستغفر مواطنينا".