أحكام كثيرة يسطرها القاضى المصرى يستشرف بها المستقبل ويؤسس لمبادئ قانونية عامة من ذلك الحكم الذى مر عليه 5 سنوات للمستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وقت أن كان رئيس لأحدى دوائر محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية كان ولازال هو الأول من نوعه على مستوى الوطن العربى يؤكد فيه أحقية الدوله فى أستخدام الإجراءات الاستثنائية دون التقيد بالقوانين العاديه فى ظل الكوارث والأوبئة حفاظا على النظام الصحى العام ودرءا للمخاطر فمن غير المقبول أن تضحى الدولة بكيانها ضماناً لمبدأ المشروعيه فى حين أن فى ضياعها كدوله ضياع لكل القوانين.
وبمناسبة ما أعلنته منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا "كوفيد-19 "بات وباء عالمياً يمكن السيطرة عليه إذا عززت الدول إجراءات التصدى له , وأن توصيف الوضع على أنّه جائحة وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة بأن تعمل كل الدول على تعزيز جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد
مما أثار التساؤل حول مدى تمتع الحكومة المصرية وأجهزتها الإدارية بالإجراءات الاستثنائية التى تمنحها سلطات واسعة لا تمنحها القوانين واللوائح فى ظل الظروف العادية لمواجهة فيروس كورونا الذى يحصد الأرواح فى جميع دول العالم بلا استثناء .
من هنا تأتى أهمية الحكم الصادر فى سنة ٢٠١٥ المستشار خفاجى أثناء أنتشار وباء فيروس أنفلونزا الطيور فى وقت سابق والذى يرجع تاريخ أول ظهور له عام 2006.
أكدت فيه محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسته أنه من حق الدولة وأجهزتها الإدارية فى ظل ظروف الكوارث الطبيعية والأوبئة العامة التمتع بالإجراءات الاستثنائية (المشروعية الاستثنائية) دون التقيد بالقوانين واللوائح العادية (المشروعية العادية) حفاظاً على النظام الصحى العام فى المجتمع ودرءاً للمخاطر .
أكد الحكن أن الدولة المصرية تلتزم بأعلى درجات المعايير الدولية التى قررتها الأمم المتحدة فى مؤتمرها العالمى الثالث المنعقد بسنداى اليابان مارس 2015 للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030 فى الدورة الرابعة والسبعون , وما قررته الأمانة العامة للأمم المتحدة فى قرارها 73/230 ببناء القدرة على مجابهتها , بل وتتميز مصر بالطابع الاجتماعى فى المساهمة الفعالة للتخفيف عن المواطنين كما يظهر فى هذه القضية , خاصة وأن منظمة الصحة العالمية سبق أن اعلنت اعتبار مرض أنفلونزا الطيور من الأمراض الجائحة الوبائية من قبل .
وكان الحكم القضائى السابق يتعلق بتأييد قرار الحكومة المصرية بإعدام الطيور الحاملة لفيروس أنفلونزا الطيور التى بلغت خمسة اَلاف وتطهير الأماكن وإزالة كافة العشش والحظائر المخصصة لتربية الطيور بإحدى العزب بمحافظة البحيرة غير المرخصة حرصاً لعدم انتشار فيروس المرض وحفاظاً على الصحة العامة ورفض دعوى تعويض أقامها مواطنون عن إزالة الحظائر لوجود مرض بالطيور , اكتفت المحكمة بما قامت به الحكومة من مساهمة فى تحميل الخسائر بواقع ثلاثة جنيهات عن كل طائر عن طريق بنك التنمية والائتمان الزراعى .
قالت المحكمة أنه نظراً لتزايد أعداد المزارع المصابة بمرض فيروس انفلونزا الطيور بمختلف المحافظات وفى محاولة لمواجهة هذا المرض والحد من انتشاره وذلك حتى لا يتمحور الفيروس المسبب لهذا المرض وينتقل من إنسان لأخر دون أن تستطيع الدولة بكافة أجهزتها السيطرة عليه , فقد قررت الحكومة إزالة الأسباب المؤدية إليه بعدما تبين أنه ناتج عن مخالطة الإنسان للطيور أو مخلفاتها , لذا يتعين إزالة كافة عشش وحظائر تربية الطيور فى الريف والمدن نظراً لأنها غير مرخصة وبعيدة عن إشراف ومتابعة الإدارة المختصة وكونها تعد بيئة مناسبة لتعايش فيروس أنفلونزا الطيور , وعلى الرغم من ذلك أصدرت الحكومة المصرية قراراً بالإجراءات الكفيلة لتعويض المربين عن الأضرار التى قد تلحق بهم نتيجة إعدام ما يملكونه من طيور من خلال مساهمة الدولة لهم والتى تتمثل فى تشكيل لجنة أو أكثر لتلقى طلباتهم وإعداد محاضر معاينة وحصر للأعداد الفعلية الحية والسليمة وتسليم بنك التنمية والائتمان الزراعى أصل المحضر وصورة منه للمربى ليقوم البنك بصرف دفعة أولى تحت الحساب بواقع ثلاثة جنيهات لكل طائر كما أوجب على تلك اللجان تسليم أصل محاضر إعدام الطيور لبنك التنمية لصرف مساهمة الحكومة .
وأشارت المحكمة أنه من حق الدولة فى ظل الظروف الاستثنائية كالكوارث الطبيعية أو الأوبئة العامة أن تحافظ على كيان الدولة ودفع الخطر عنها ولها اتخاذ ما تراه دون التقيد بالنظم العادية السارية فى ظل الظروف العادية حماية لمصالح الدولة العليا , ودرءاً للخطر الناجم عن الكوارث الطبيعية أوأنتشار الأوبئة العامة , فليس من المقبول أن تضحى الدولة بكيانها ضمانا لمبدأ المشروعية على حين أن ضياع الدولة يعنى ضياع كل ما هو قانونى بل وشيوع حالة الفوضى , وبهذه المثابة تتمتع الدولة وأجهزتها الإدارية فى ظل ظروف الكوارث الطبيعية والأوبئة العامة بالمشروعية الاستثنائية التى تمنح الدولة وأجهزتها سلطات واسعة وإجراءات استثنائية دون التقيد بالقوانين العادية لدرء تلك المخاطر حفاظاً على النظام الصحى العام فى المجتمع وهو أساس البقاء على قيد الحياة .
وأوضحت المحكمة أن الثابت من الأوراق العديد من شكاوى المواطنين بوجود عدد من الأجولة بها العديد من الطيور النافقة بإحدى العزب وقامت بأخذ عينات الطيور الحية الموجودة بها وإرسالها إلى معهد بحوث صحة الحيوان بالدقى وقد تبين أنها مصابة بالمرض (أنفلونزا الطيور) مما حدا بها إلى القيام بإعدام الطيور وعددها خمسة اَلاف وتطهير الأماكن وإزالة كافة العشش والحظائر المخصصة لتربية الطيور حرصاً لعدم انتشار المرض وحفاظاً على الصحة العامة بإعدام جميع الطيور الحية والمتابعة فى دائرة قطرها 1 كم ومركزها مكان الإصابة .
واختتمت المحكمة فى حكمها البصير أنه لما كانت الحكومة المصرية قد قررت مساهمتها للمربين الذين يتم إعدام الطيور المملوكة لهم لإصابتها بمرض أنفلونزا الطيور وهو ما يؤكد مراعاة الدولة للدور الاجتماعى فى التوازن بين اعتبارات المصلحة الخاصة بفئة من المواطنين والمصلحة العامة المتمثلة فى الحفاظ على الصحة العامة , لما كان ذلك وكان المدعون يقومون بتربية الطيور بمكان خاص بالمنازل والتى قامت الإدارة بإعدامها بعد التأكد من إصابة الطيور الموجودة بالمزرعة الملاصقة للمنازل بأنفلونزا الطيور وقامت بإعداد محضر بذلك مثبت به الأسماء وعدد ما تم إعدامه من طيور أى أنها عملت على الحفاظ على الصحة العامة دون أن تهدر حق المدعين فى اقتضاء المقابل الذى قررته الحكومة لهم من بنك التنمية والائتمان الزراعى ومن ثم فإن مسلك جهة الإدارة يكون قد صدر صحيحاً خالياً من أوجه عدم المشروعية .
وقد أعربت دوائر مهتمة بشأن أزمات الكوارث والأوبئة العامة أن هذا الحكم التاريخى الذى يستقرئ المستقبل لقاضى وطنى شريف يدق ناقوس الخطر فى المجتمع المصرى الذى مازال الكثير منه إما بحسن نية وإما عن عمد لا يشعر بخطورة المرض وسرعة انتقاله بين كافة التجمعات رغم ما تبذله الدولة من جهود فائقة مبكراً فى العديد من المرافق دون أن يستجيب بعض الناس , فتصبح الدولة غير قادرة كما هو الحال فى أعتى دول أوروبا عن انقاذ أرواحهم.