قاض ابن قاض، هو ابن عالم البصرة لقبوه بالعاقل الراشد "حماد بن زيد بن درهم الأزدي"، كان مثالا في العقل والحكمة والتريث والحلم، استخلفه والده وعينه قاضيا من بعده في مدينة المنصور، كما عرف عنه أيضا الورع والزهد في الدنيا والنزاهة، حياته كانت مليئة بالعطاء، تعلم على يده الكثير من التلاميذ الذين أثرى فيهم علمه وفقهه.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لزاما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
من بين هؤلاء القاضى "أبو عمر الأزدي"، الذى نشأ في بيت القضاء، والده كان قاضيا، استخلفه على القضاء في حياته، ففي سنة 284 ولي أبو عمر قضاء مدينة المنصور والأعمال المتصلة بها، كما تولى القضاء في كلا من أهل بزرج سابور والراذانين وسكرود وقطربل، وجلس في المسجد الجامع بالمدينة.
حياة القاضي أبو عمر كانت مليئة وحافلة بالعطاء، حيث روى عنه الكثير من المشايخ، كما أخذ الناس عنه علما كثيرا من الحديث وكتب الفقه، كما كان العلماء وأصحاب الحديث يحرصون على الحضور والجلوس في مجلس القاضي أبو عمر الأزيدى في بغداد، وذلك لما يلقونه فيه من علم وفقه وجمال الحديث، ويذكر إنه إذا جلس للحديث جلس في مجلسه أبو القاسم بن منيع عن يمينه، وهو قريب من أبيه في العمر والسند، وعن يساره كان يجلس ابن صاعد، فيما كان يجلس بين يديه أبو بكر النيسابوري، وباقى متلقى العلم عن حول سريره من كل جانب، حيث قيل عنه " لم ينتقد عليه حكم من أحكامه أخطأ فيه قط ".
يقول ابن كثير: "وكان من أكبر صواب أحكامه وأصوبها قتله الحسين بن منصور الحلاج في سنة تسع وثلثمائة"، أي حكمه الذى أحل فيه دم (الحلاج) وذلك كان في سنة 309هـ.
ويذكر ابن كثير أنه: "لما كان آخر مجلس من مجالسه (مجالس الحلاج وكان محبوسا)، أحضر القاضي أبو عمر محمد بن يوسف، وجيء بالحلاج ، حيث أحضر له كتاب من دور بعض أصحابه وفيه " من أراد الحج ولم يتيسر له فليبن في داره بيتا لا يناله شيء من النجاسة ولا يمكن أحدا من دخوله، فإذا كان في أيام الحج فليصم ثلاثة أيام وليطف به كما يطاف بالكعبة، ثم يفعل في داره ما يفعله الحجيج بمكة، ثم يستدعي بثلاثين يتيما فيطعمهم من طعامه ويتولى خدمتهم بنفسه، ثم يكسوهم قميصا ويعطي كل واحد منهم سبعة دراهم، فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج.
وإن من صام ثلاثة أيام لا يفطر إلا في اليوم الرابع على ورقات هندبا أجزأه ذلك عن صيام رمضان، ومن صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى آخره أجزأه ذلك عن الصلاة بعد ذلك، وأن من جاور بمقابر الشهداء وبمقابر قريش عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ثم لا يفطر إلا على شيء من خبز الشعير والملح الجريش أغناه ذلك عن العبادة في بقية عمره.
فقال له القاضي أبو عمر "من أين لك هذا، فقال "من كتاب الإخلاص للحسن البصري فقال له "كذبت يا حلال الدم، قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن بمكة ليس فيه شيء من هذا، فأقبل الوزير على القاضي فقال له أنك قلت "يا حلال الدم" فاكتب ذلك في هذه الورقة وألح عليه وقدم له الدواة، فكتب ذلك في تلك الورقة وكتب من حضر خطوطهم فيها وأنفذها الوزير إلى المقتدر" فما لبث ثلاثة أيام حتى قتل.
توفى القاضي أبو عمر الازيدى في شهر رمضان سنة 320 ه عن عمر يناهز 78 سنة، حيث تم دفنه في منزله.