شديد الورع والتوقى، ضرب به المثل فى الخشوع والقنوع، لم يبتسم ولا لمرة واحدة فى أى حكم من الأحكام التى حكم بها، َانَ قَاضِيا مهيبا فصيحا مصمما على إعلاء دولة العدل، الخطيب البغدادى قاضي الري والأهواز.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
من بين هؤلاء القاضى
هو القاضي الجليل والإمام مُوسَى بن إِسْحَاق بن مُوسَى الأنصارى القاضى أَبُو بكر الخطمى، الذى ولد عام 210 هجريا ، نسبه إلى بطن من الأنصَار يقال لَه خطمة ، فى العراق، تتلمذ على يد الإمام الشافى، حتى صار فقيها وعالما.
قيل لم يرى متبسما ولا لمرة واحدة خلال فترة توليه منصب القضاء، ما جعل امرأة تسألهه " أَيهَا القاضى لَا يحل لَك أَن تحكم بَين النَّاس لِأَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا يقْضى القاضى بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان وَأَنت عمرك غَضْبَان فَتَبَسَّمَ وَسَيَرِدُ نَظِير الْحِكَايَة فى تَرْجَمَة القاضى أَبى بكر الشامى فى الطَّبَقَة الرَّابِعَة".
من أبرز مواقفه مع القضاء
جلس موسى بن إسحاق، ينظر في قضايا الناس ودعاويهم، وفي ذات يوم دخل عليه رجل وامرأة ، وادعت المرأة على الرجل وهو زوجها أن لها عليه خمسمائة دينار مهرا، فأنكر الزوج أن يكون قد بقي لها في ذمته أي مبلغ مالي .
فقال القاضي موسى للزوج بعد أن سمع دعوى الطرفين " هات شهودك ليشيرون إليها في الشهادة، فأحضرهم الزوج ، فاستدعى القاضي أحدهم وقال له " انظر إلى الزوجة لتشير إليها في شهادتك، فقام الشاهد لينظر، فطلب القاضي موسى من الزوجة قائلا " قومي واكشفي عن وجهك ليتعرف عليكِ الشاهد.
فقال الزوج " وماذا تريدون منها "، فأجابه القاضى موسى " لا بد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك وهي مسفرة كاشفة عن وجهها ، لتصح معرفته بها، فكره الزوج ان تضطر زوجته إلى الكشف عن وجهها أمام الناس ، فصاح قائلا " إني أشهد القاضي على أن لزوجتي في ذمتي المهر الذي تدعيه ، ولا تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب ".
فلما سمعت الزوجة ذلك ، اكبرت واعظمت في زوجها ، أنه يظن بوجهها عن رؤية الشهود له ، وأنه يصونه عن أعين الناس، فصاحت تقول للقاضي موسى " إني أُشهدك أني قد وهبت له هذا المهر وسامحته ، وأبرأته في الدنيا والآخرة ".