يعد أبو سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون القاضي الكفيف والفقيه المفوه في الدولة الزنكية والأيوبية، أحد مشايخ الشافعية، وأبرز علماء أهل الشام، حيث وضع القضاء والعدل نصب عينيه في وقت عصفت بالأمة الإسلامية موجة من الفساد الاجتماعي والسياسي، ليعيد الاستقرار الاقتصادي والسياسي مرة أخرى، بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعي عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام تغلغل العدل في نفوسهم فأظهروه في أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا في إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام في أي مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
ولد ابن عصرون في مدينة الموصل بالعراق سنة 492هـ، ونشأ محبا للعلم والعمل، حيث بدء في حفظ كتاب ألله في سن صغير، ليبدأ في تعلم الفقه على المذهب الشافعى على يد كبار المشايخ في عصره، حتى أصبح فقيها مفوه صاحب علم وله مريدين يأتون إليه لتلقى العلم على يديه.
تتلمذ القاضي " أبي عصرون" على يد عدد كبير من المشايخ، من ضمنهم المرتضى الشهرزوري والد القاضي كمال الدين، وعلى أبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي، كما تتلمذ على يد المسلم السروجي، وتلا بالسبع على أبي عبد الله الحسين بن محمد البارع، وبالعشر على أبي بكر المزرفي، ودعوان بن علي وسبط الخياط عبد الله بن علي، والنحو على أبي الحسن بن دُبيس، كما تفقه بواسطة على القاضي أبي علي الفارقي، وأخذ الأصول عن أبي الفتح أحمد ابن برهان.
تميزه وفقه وعلمه، جعل نور الدين زنكي، يقوم ببناء عدة مدارس في عدة مدن حلب، حماه، حمص، بعلبك، وتم تنصيب " أبي عصرون " مشرفا على تلك المدارس، ومع الوقت سادت شخصيته الفقهية القوية، التي أهلته إلى تولى العديد من المناصب العليا بعد ذلك .
تولى القاضي " أبن عصرون " العديد من المناصب العليا، منها منصب شيخ وإمام الشافعية في ذلك العصر، حيث برع في الفتيا والتدريس الشرعي، كما ولاه نور الدين زنكى قضاء ديار بكر، ومنحه صلاحيات واسعة.
بعد وفاة قاضي الشام كمال الدين الشهرزوري، تولى القضاء ابن أخيه القاسم بن يحيى بن عبد الله الملقب بضياء الدين، وبما أن القضاء من المراتب العالية، ولا ينفع فيها التوريث، وحباً ورغبة من صلاح الدين الأيوبي، تولي ابن أبي عصرون قضاء الشام، أصدر مرسوماً يقضي بتوليه القضاء سنة 573 هـ.
وولى النيابة لأبو المعالي محي الدين محمد بن زكي الدين، عندما فقد بصره ابن أبي عصرون، تولى ابنه محي الدين القضاء كنائب، ولم يعزله صلاح الدين لاحترامه الشديد له، وبقى لسنة 578ه، ثم تولى المنصب أبو المعالي بن زكي المنصب 587ه.
توفى القاضي " أبن عصرون " في عام 585 ه، بعد أن مكث في منصب قاضى قضاة، وتعلم على يده الكثير، وأثرى الأمة الإسلامية بمؤلفاته الفقهية والشرعية .