هو الفقيه والمفوه وأكثر الصحابة علما بالفرائض، زهد الدنيا وتفرغ للقضاء وجمع القرآن، إضافة إلى مشاركته فى العديد من الغزوات التى شهدهها مع رسول ألله، لقبوه بالقاضى الزاهد لشدة ورعه والتزامه بتطبيق العدل، وحرصه على جمع القرأن بحرص شديد.
بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
من بين هؤلاء الصحابى الجليل والقاضى العادل "زيد بن ثابت " الذى ولاه عمر ابن الخطاب أمر القضاء، يقول عنه الإمام ابن الجوزي في كتابه "صفة الصفوة"، "هو زيد بن ثابت بن الضحاك أبو سعيد وقيل أبو خارجة، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة وأجيز في الخندق وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. أمره أبو بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن وأمره عثمان رضي الله عنه أن يكمل مهمته فكتب المصحف وأبي بن كعب يملى عليه".
لقد أحسن أمير المؤمنين عمر حينما ولى زيداً على القضاء فإنه ذكر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عز وجل عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت".
كان القاضى "زيد بن ثابت" صاحب شخصية مؤمنة تنمو نمواً سريعاً وباهراً، فهو لم يبرع كمجاهد فحسب، بل كمثقف متنوع المزايا أيضاً، فهو يتابع القرآن حفظاً، ويكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتفوق في العلم والحكمة، وحين يبدأ رسول الله في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي كله، وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها، يأمر زيداً بأن يتعلم بعض لغاتهم فيتعلمها في وقت وجيز.
من أشهر القضايا التى حكم فيها "زيد بن ثابت"، أنه جاء أبياً ادعى على عمر دعوى، فلم يعرفها، فجعلا بينهما زيد بن ثابت، فأتياه في منزله، فلما دخلا عليه قال له عمر: جئناك لتقضي بيننا، وفي بيته يؤتى الحكم؛ قال: فتنحى له زيد عن صدر فراشه، فقال: ها هنا يا أمير المؤمنين، فقال جرت يا زيد في أول قضائك، ولكن أجلسني مع خصمي، فجلسا بين يديه، فادعى أبي، وأنكر عمر، فقال: زيد لأبي: أعف أمير المؤمنين من اليمين، وما كنت لأسألها لأحد غيره، قال: فحلف عمر".