عاقبت المحكمة التأديبية العليا رئيس قطاع بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بعقوبة اللوم، لقيامه بتحرير خطاب تضمن أن عقد الأرض حول ملكية الشركة المصرية الكويتية للاستصلاح الزراعي 26 ألف فدان بالعياط مازال ساريًا، ولم يفسخ بالمخالفة للحقيقة، ما ترتب عليه صدور حكم قضائي بإنهاء الخصومة، وعدم سداد 6 مليارات جنيه مقدم فرق سعر على أساس أن 23 ألف فدان من المساحة أراضي بناء وليست زراعة.
وكانت النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية 71 لسنة 63 قضائية عليا بتاريخ 17 مارس 2021 ضد محمد محمود طلبه، رئيس قطاع دراسات المشروعات الزراعية والملكية بالهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، لقيامه بالتوقيع على كتابي الإدارة المركزية للملكية والتصرف بالهيئة إلى مدير عام الإدارة العامة للري بالجيزة، وتضمين الكتاب الأول أن العقد المبرم بين الهيئة بوصفها بائعًا وشركة إيجيبت جلف للتنمية والاستثمار (الشركة المصرية الكويتية للاستصلاح الزراعي) سابقًا بوصفها مشتريًا في 16 فبراير 2002 على قطعة الأرض البور الكائنة بمركز العياط بالجيزة والبالغ مساحتها 26 ألف فدان، بغرض الاستصلاح والاستزراع مازال ساريًا، ولم يتخذ أي إجراء لفسخ هذا العقد حتى تاريخ هذا الكتاب، وتضمين الكتاب الثاني التأكيد على صحة الكتاب الأول، بالمخالفة لما تضمنه قرار مجلس إدارة الهيئة الصادر بجلسته المنعقدة 28 فبراير 2011 بفسخ عقد البيع، ما أدى إلى تقديم الشركة صورة ذلك الكتاب بالدعوى القضائية المقامة منها ضد رئيس الهيئة واآخرين رقم (38227) لسنة 65ق، ومن ثم صدور حكم القضاء الإداري بإنهاء الخصومة ااستنادًا إلى قيام الهيئة بسحب قرار الفسخ بناءًا على ما تضمنه كتاب الإدارة المركزية للملكية والتصرف بالهيئة
وقالت المحكمة التأديبية العليا عبر أسباب حكمها أن الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية أبرمت عقدًا بتاريخ 16 فبراير 2002، مع الشركة المصرية الكويتية للاستصلاح الزراعي (شركة إيجيبت جلف للتنمية والاستثمار حاليا) تبيع بمقتضاه قطعة أرض بور كائنة بناحية طمها بمركز العياط بمحافظة الجيزة تبلغ مساحتها (26 ألف فدان)، وإزاء ما وقع من الشركة المذكورة من مخالفات لبنود التعاقد والتزاماته فقد اجتمع مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 28 فبراير2011 باجتماعه رقم (18/2011) منتهيًا إلى إصدار قرار بفسخ التعاقد
وبعرض الشركة أمر هذا القرار على لجنة تسوية منازعات العقود بين المستثمرين والجهات الإدارية، والمنبثقة عن المجموعة الوزارية لفض منازعات الاستثمار ومجلس الوزراء، فقد ورد إلى الهيئة كتاب الأمانة الفنية لتلك اللجنة بتاريخ 10 اكتوبر 2011 بالإفادة بأن اللجنة انتهت إلى التوصية بقصر عقد البيع الابتدائي على المساحة التي جرى عليها الاستصلاح الزراعي البالغة (3000 فدان)، وأستصدار قرار جمهوري بتغيير الغرض من المساحة المتبقية من قطعة الأرض محل التعاقد (23000 فدان) لتتحول إلى النشاط العمراني بدلا من نشاط الاستصلاح الزراعي بعد استبعاد المساحة الواجبة لحرم الآثار، والتزام الشركة بسداد القيمة الفعلية لتلك المساحة والتي تقدر بمعرفة اللجنة العليا لتثمين أراضي الدولة في ضوء الغرض الجديد
وهو ما قَبِلت به الشركة كسبيل للتسوية، وبناء عليه اجتمع مجلس إدارة الهيئة في 21 نوفمبر 2011 متخذا قرارًا باستكمال الإجراءات اللازمة لتنفيذ توصيات لجنة التسوية، وبناء عليه تمت مخاطبة الشركة بسداد مبلغًا لا يقل عن (ستة مليارات جنيه) كمقدم التزام أمام الهيئة بعد الاستقرار على محاسبتها على أساس كون تلك المساحة المتبقية (23000 فدان) أراضي بناء وليست أراض زراعة
وأكدت المحكمة أنه بشأن مخالفات المتهم، فإن الثابت بالأوراق أنه في سبيل بحث الطلب المقدم من الشركة إلى إدارة ري الجيزة بترخيص منفذ مياه لري الأراضي محل تعاقدها مع الهيئة، فقد ورد إلى هذه الأخيرة كتاب مدير عام ري الجيزة بطلب موافاته بمدى استمرارية هذ العقد، فصدر عن الهيئة الكتاب رقم (2681) متضمنا ما مفاده أن مجلس إدارة الهيئة وافق على استكمال إجراءات تنفيذ توصيات لجنة التسوية، كما أفاد بأن هذا العقد ما زال ساريًا ولم تُتَّخَذ أي إجراءات لفسخه بالمخالفة للحقيقة
وإزاء ما تبين لإدارة الري من وجود نزاع قضائي مقام من الشركة أمام محكمة القضاء الإداري بغية إلغاء قرار مجلس إدارة الهيئة بفسخ العقد، فقد حرر مدير عام ري الجيزة كتابًا آخر مُوَّجه للهيئة بطلب إفادته بمدى صحة صدور الكتاب السابق بيانه عن الهيئة، والإفادة بالتعامل قانونًا مع الشركة المذكورة من عدمه في ضوء هذا النزاع القضائي بشأن فسخ التعاقد معها، وقوبل هذا الكتاب برد المتهم بموجب كتاب مؤكدًا صدور الكتاب السابق عن الهيئة، مضيفًا استفسارًا عن مدى جدية الشركة المذكورة في تنفيذ محطات المآخذ المائية الثلاثة التي تم تحديدها بمعرفة وزارة الموارد المائية والري، وطلب موافاته بالبرنامج الزمني لتنفيذ تلك المحطات
وذكرت المحكمة أن ما نُسب للمتهم بتضمينه الكتابين المشار إليهما معلومات وبيانات تخالف قرار مجلس إدارة الهيئة محل عمله الصادر بفسخ العقد مع الشركة، مما ترتب عليه صدور حكم القضاء الإداري باعتبار الخصومة منتهية بين الشركة والهيئة، فإن الثابت بالأوراق أن قرار فسخ العقد لم يقم من الإجراءات ما يفيد تمام العدول عنه من قِبَل الهيئة، بل أن ما واكب النزاع إنما كان طَرْقا لسبل تسوية لم يثبت تمامها، إذ نضحت الأوراق بأنه وإن كان مجلس إدارة الهيئة اتخذ قرارًا بتنفيذ توصية لجنة التسوية، إلا أن واقع الحال يؤكد أن الشركة لم تنفذ التزاماتها في سبيل إقرار التسوية على أرض الواقع، فلم يثبت سدادها (6 مليارات جنيه) كمقدم التزام، والمتمثل في الفرق بين سعر قطعة الأرض الزراعية محل العقد والبالغة مساحتها (23000 فدان) وسعرها حين تغيير الغرض من استخدامها إلى النشاط العمراني.
وهو ما يقطع بأن التسوية لم تتم على أرض الواقع، وإنما الأمر محل سجال قانوني على عدة أصعدة بين الشركة والهيئة، فضلا عن ثبوت عدم صدور قرار صريح من مجلس إدارة الهيئة بسحب قرار الفسخ، ومن ثم فلم يكن ينبغي للمتهم أن يثبت بأي من كتابيه بيانًا برأي قانوني باستمرار سريان هذا العقد، طالما لم يصدر عن مجلس إدارة الهيئة قرارا صريحًا بسحب قراره السابق بفسخ العقد.
واانتهت المحكمة إلى أنه كان الأحرى بالمتهم عرض الأمر الوارد بكتاب مدير الري بالجيزة على الإدارات المعنية بالهيئة، لتقرر ما يتوجب سلوكه قانونًا، وإذ أورد بكتابيه أن العقد المبرم مع الشركة المذكورة لم يطله الفسخ وأنه ما زال ساريًا، فقد أفاد بما لم ينطق به الواقع، مبديا رأيًا قانونيًا لا يدخل في اختصاصه الوظيفي، فقضت بمجازاة المتهم بعقوبة اللوم.